للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإعلام الثالث: في دَفْع ما يُتَوَهَّم من الضَّرَر في العِلْم وسَبَبٍ كَوْنه مَذْمُومًا.

اعْلَم أَنَّهُ لا شيء من العلوم (١) من حيث هو عِلم بضارٍّ ولا شيء من الجَهْل من حيثُ هو جَهْلٌ بنافع؛ لأنَّ في كُلِّ علم مَنْفعةٌ ما في أمر المعادِ أو المعاش أو الكمال الإنساني، وإنَّما يُتَوَهَّمُ في بعض العُلوم أَنَّهُ ضارٌ أو غير نافع لعدم اعتبارِ الشَّروط التي يجب مراعاتها في العِلْم والعلماء؛ فإنَّ لكلّ علم حَدًّا لا يتجاوزه. فمن الوجوه المُغَلِّطة (٢) أن يُظَنَّ بِالعِلْم فوقَ غايتِهِ كما يُظَنَّ بالطِّبِّ أنَّه يُبْرى جميع (٣) الأمراض وليس كذلك، فإنَّ منها [ما] (٤) لا يبرأ بالمعالجة.

ومنها أن يُظَنَّ بالعِلْم فوقَ مَرْتبته في الشَّرف، كما يُظنُّ بالفقه أنَّه أشرف العلوم على الإطلاق، وليس كذلك فإن علم التّوحيد أشرفُ منه قطعا.

ومنها أن يُقْصَدَ بالعِلْم غير غايته كمن يتعلَّم عِلْمًا للمال أو الجاه، فالعلوم ليسَ الغَرَض منها الاكتساب، بل الاطلاع على الحقائق وتهذيب الأخلاق، على أنَّه مَن تعلَّم عِلْمًا للاحتراف لم يأت عالمًا، إنّما جاءَ شبيها بالعلماء.

ولقد كُوشِفَ عُلماءُ ما وراء النَّهرِ بهذا الأمر ونَطَقُوا به لمّا بَلَغَهُم بناء المدارس ببغداد أقامُوا مأتم العِلْم وقالوا: كانَ يَشْتغل به أرباب الهمم العَلِيّة والأنْفُس الزَّكيّة الذين يقصدونَ العِلْم لشرفه والكمال به، فيأتونَ عُلماء يُنْتَفَع بهم وبعلمهم، وإذا صارَ عليه أجرة تَدانَى إِليه الأخِسَاءُ وأربابُ الكَسَل فيكون سببًا لارتفاعه (٥). ومن هاهنا هجرت علومُ الحِكْمَةِ وإن كانت شَرِيفة لذاتها.


(١) في م: "العلم"، والمثبت من خط المؤلف.
(٢) الضبط من خط المؤلف.
(٣) في م: "من جميع"، والمثبت من خط المؤلف.
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة منا.
(٥) هذا النص مما تفرد به المؤلف، لا أدري من أين اقتبسه، وهو نص نفيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>