للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنها: أن يُمتَهَن العِلْمُ بابتذالِهِ إلى غير أهْلِه، كما اتفق في علم الطِّب، فإنَّه كانَ في الزمن القديم حِكْمةً موروثةً عن النبوة فصارَ مُهانًا لمّا تعاطاه اليهود فلم يَشْرُفوا به بل رَذُلَ العِلْم بهم.

وما أحسن قول أفلاطون: إِنَّ الفَضِيلة تستحيل في النفس الرَّدِية رذيلةً، كما يستحيلُ الغذاء الصّالحُ في البَدَن السَّقِيم إلى الفساد.

ومن هذا القبيل الحال في عِلْم أحكام النجوم فإنه لم يكن يتعاطاه إلا العلماء به للملوك ونحوهم فرَذُل حتى صارَ لا يتعاطاه غالبًا إلا جاهل يُرَوِّجُ أكاذيبه.

ومنها أن يكونَ العِلْمُ عزيز المنالِ رفيعَ المَرْقَى قَلّما يتحصل غايتُه، ويتعاطاهُ مَن ليسَ من أهله لينال بتمويههِ غَرَضًا كما اتفق في علوم الكيمياء والسيمياء والسَّحْر والطَّلَسْمات والعَجَبُ ممن يقبل دَعْوَى من يَدَّعِي عِلْمًا من هذه العلوم فإِنَّ الفِطْرةَ (١) قاضيةٌ بأَنَّ مَن يَطَّلع على ذُنابةٍ (٢) من أسرار هذه العلوم يكتمها عن والده وولده.

ومنها ذَمُّ جاهل متعالمٍ لجهلِه إِيَّاه، فإِنَّ مَن جَهِلَ شَيئًا أنكرَهُ وعاداهُ كما قيل: المرء عدوٌ جَهِلَهُ، أو ذم عالمٍ متجاهل لتعصبه على أهله بسبب من الأسباب فإِنَّكَ تَسْمعُهم يقولون بتحريم المَنْطق مع كونه ميزان العلوم وتحريم الفَلْسَفة مع أنها عبارةٌ عن معرفة حقائق الأشياء، وليس فيها ما يُنافي الشَّرْع المُبِين والدِّين المتين غير المسائل اليَسِيرة التي أوردَها أصحاب (٣) "التهافت" (٤) كما سيأتي. وليسَ في كُتُب الحنفية القولُ بتَحريم المنطق غير


(١) في م: "فالفطرة"، والمثبت من خط المؤلف.
(٢) الذُّنابة: التابع، والشيء اليسير.
(٣) هكذا بخط المؤلف، وصوابه: "صاحب"، لأنَّ مؤلفه واحد وهو الإمام أبو حامد الغزالي.
(٤) يعني: "تهافت الفلاسفة".

<<  <  ج: ص:  >  >>