للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عثمان بن عفان أختك، فزوّجه. فلما أراد حملها قال لها أبوها: أي بُنيّة! إنك ستقدمين على نساء قريش، وهن أقدر على الطيب منك فاحفظي عني اثنتين: تكحّلي وتطيّبي بالماء، حتى تكون ريحك كريح الشباب التطهَّرين. فلما حُملت شقّ عليها الغُربة واشتاقت إلى أهلها، فقالت:

ألستَ ترى، يا ضَبّ بالله، أنني ... مصاحبةٌ نحو المدينة أركبا

إذا قطعوا خَرْقاً تخبّ رِكابها، ... كما زعزعت ريحٌ يراعاً مُقصَّبا

لقد كان في أبناء حِصن بن ضمضمٍ، ... لك الويل، ما يُغني الخِباء المُطنَّبا

قلما قدمت على عثمان بن عفان قعد على سرير، وألقى لها سريراً حياله، فجلست عليه، ورفع العِمامة عن رأسه، فبدا الصلع فقال: يا ابنة الفَرافصة، لا يهولنّك ما ترين من الصلع، فإن من ورائه ما تحبين. قالت: إني لمن نُسوةٍ أحب بعولتهنّ إليهنّ الكهول البيض، السادة. فقال: إما أن تقومي إليّ وإما أن أقوم إليك. فقالت: ما تجشّمتُ من كراهة جَنباتِ السماوة أبعد مما بيني وبينك. ثم قامت إليه، فجلست إلى جانبه، فمسح رأسها، ودعا بالبركة، وقال: اطرحي عنك خِمارك، فطرحته، ثم قال: اخلعي دِرعك، فخلعته، ثم قال: حُلّي إزارك، فقالت: ذاك إليك، فحلّه، فكانت من أحظى نسائه عنده. فلما كان يوم الدار أهوى رجلٌ إلى عثمان بالسيف، فألقت نفسها عليه، فضرب عَجيزتها، وكانت من أعظم النساء عَجيزةٌ، فقالت: أشهد أنك فاسقٌ لم تأت غضباً لله ولرسوله! فأهوى إليها بالسيف ليضربها، فاتّقته بيدها فقطع إصبعين من أصابعها، فلما قُتل عثمان قالت فيه ترثيه:

ألا إنّ خير الناس بعد نبيّه ... قتيل التَّجوبيّ الذي جاء من مِصرِ

<<  <   >  >>