للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقصدن إلا أهل النشث، ويُصدُفن عن ذوي الحسب، وأن محبّتهن تظهر ما ظهرت علامات اليسار والمال، وتنتقل عند الإفلاس والإقلال. وليس إظهارهن للمحبة مما ينعقد عليه منهن ذوو الآداب، ولا بما ينخدع به لهن ذوو الألباب. وكل ذلك منهن غرورٌ، وخداع وزور، ولا مرجع له ولا محصول، وإنما أمرهنّ عند ذوي الجهالة مجهول. وما رأيت لكثيرٍ من الأدباء الذين سلكوا سبيل التشبيث بالنساء، رغبةً في تعشُّق الإماء، وقد أنشدني بعض الظرفاء:

ليس عشقُ الإماء من شكل مثلي، ... إنما يعشق الإماء العبيدُ

صِلْ، إذا ما وصلتَ، حُرّة قوم، ... قد حماها آباؤها والجدود

ومن أدلّ الأشياء على خُبث سرائر الإماء أن الواحدة منهن، إذا رأت في مجلس فتىً له غنىً وكثرة مال، ويسار وحسن حال، مالت إليه لتخدعه، وأقبلت عليه لتصرعه، ومنحته نظرها، وأبدته بصرها، وغمزتْه بطَرْفها، وأشارت إليه بكفها، وغنّت على كاساته، ومالت إلى مَرضاته، وشربت من فَضلة كأسه، وأومأت إلى تقبيل رأسه، حتى تُوقِع المسكين في حبالها، وترهقه باحتيالها، وتُعلّق قلبه بحبها، وتُطعمه من قربها، وتحويه بلطف تملُّقها، وتستبيه ببديع تقنُّعها، وبالمكر والخداع، وتطلُّبها للاجتماع، وتباكيها لفرقته، وتحازنها عند روحته، ثم ترسل بالرسل، وتُعاديه بالخَتل، وتخبره عن سهرها، وتُنبئه عن فكرها، وتشكو إليه القلق وتُخبره بالأرق،

<<  <   >  >>