للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحدةٍ من النساء الحرائر والإماء، فكلّهن في الغدر سواء، وما لواحدة منهن عهد ولا وفاء؛ ولقد أحسن عُبيد الله بن عبد الله بن طاهر حيث يقول:

ألا أيّها القومُ المحبّون ويحكُم، ... تعزّوا عن الأحباب، واحتسبوا الأجْرا

فما واحدٌ منهم بوافٍ لواحدٍ، ... وصاحبتي تجزي وفائي لها غَدْرا

فلو كنتُ من صخرٍ لما كنتُ صابراً، ... وما أنا من صخر، وما أترك الصبرا

وقد بلغنا أن ببعض بلاد الهند قوماً لا يعشقون، ويَرونه من السحر والجنون، وذلك لمن فيهم الفلسفة، ولهم الحكمة والتجربة، وزعموا أن سبب العشق سبب النوى وفيه المذلّة والعَناء، ومنه يكون السقم والضنى، وأكثر من في النساء وفاء، أسرعهنّ خيانةً وجفاء، وأعطاهن حَلْفاً وإيماناً، أسرعهن خُبثاً وسُلواناً، فيا رحمتي للأدباء، وشفقتي على الظرفاء، فما أطول بلاءهم، وأكثر شقاءهم، وأسخن عيونهم، يُبتلى العزيز منهم بالذليلة، والكثير منهم بالقليلة، والشريف بالدَّنيّة، والنبيل بالزريّة، فيطول في عشقها سهره، ويكثُرُ في أمورها فكره، وتنهلّ عليها إذا نأت دموعه، ويطول لديها إذا قرُبت خضوعه، وهي تُظهر له المحبّة، وتُبدي له الرغبة، وتحلف بالأيمان المُحرِّجات، والعُهود الموكِّدات، أنه حظّها من الآدميين، وشغلها دون سائر العالمين، وتُريه الجزَع عند الفراق، والفرح عند التلاق، فتملأ قلبه همّاً، وتورثه ضنىً وسُقماً، وهي تكاتب سواه، ولا تعبأ بهواه، لها في كل زاوية رَبيط، وفي كل محلّةٍ خليط، لم يعدُها قول الشاعر:

<<  <   >  >>