للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم سكتت، وأمر طنبورية، فغنت:

وارحمتي للعاشقينا ... ما إن أرى لهم معينا

كم يهجرون، ويظلمو ... ن، ويقطعون فيصبرونا

وتراهم مما بهم ... بين البرية خاشعينا

يتجلدون، ويظهرو ... ن تجلداً للشامتينا

قالت لها العوادة: فيصنعون ماذا؟ قالت: يصنعون هكذا، وضربت بيدها على الستارة فهتكتها، وبرزت كأنها فلقة قمر، فزجت بنفسها إلى الماء. قال: وعلى رأس محمد غلام يضاهيها في الجمال وبيده مدية، فلما رآها وما صنعت ألقاها من يده، وأتى إلى حيث رمت بنفسها، فنظر إليها وهي تمور بين الماء فأنشأ يقول:

أنت التي غرقتني، ... بعد القضا، لو تعلمينا

وزج بنفسه في أثرها، فأدار الملاح الحراقة، فإذا بهما معتنقين، ثم غاصا، ولم يريا. فهال ذلك محمداً، واستفظعه، وقال للجاحظ: يا عمرو لتحدثني بحديث يسكن عني فعل هذين، وإلا ألحقتك بهما. قال الجاحظ: فحضرني خبر سليمان بن عبد الملك، وقد قعد للمظالم، وعرضت عليه القصص، فمرّت به قصة فيها: إن رأى أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، أن يخرج إلي فلانة، يعني جارية من جواريه، حتى تغنيني ثلاث أصوات، فعل. فاغتاظ من ذلك سليمان، وأمر من يخرج إليه فيأتيه برأسه، ثم أتبع الرسول برسول آخر، فأمر أن يدخل الرجل إليه، فأدخل؛ فلما مثل الرجل بين يديه قال له: ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: الثقة بحلمك والاتكال على عفوك، فأمره بالقعود، حتى لم يبق أحد من بني أمية، ثم أمر فأخرجت الجارية ومعها عودها، ثم قال له: اختر! قال له: قل لها تغني بقول قيس بن الملوح:

<<  <   >  >>