للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقع الموت في السودان بالقرافة إلى أن مات منهم ماتحو ثلاثة آلاف، وعز وجود حمالي الموتى وغساليهم ومن يحفر القبور حتى عملوا حفائر كباراً كانوا يلقون فيها الأموات، وسرق كثير من الأكفان، ونبشت الكلاب كثيراً فأكلتهم من أطراف الأموات، ووصل في الكثرة حتى شاهدت النعوش من مصلى المؤمني إلى باب القرافة كأنها الرخم البيض تحوم على القتلى، وأما الشوارع فكانت فيها كالقطارات يتلو بعضها بعضاً.

وفي جمادى الأولى وعك يوسف ولد السلطان فتصدق عنه بوزنه فضة.

وفي نصف جمادى الآخرة جمع الشريف كاتب السر أربعين شريفاً اسم كل منهم محمد وفرق فيهم مالاً، فقرأ بعد صلاة الجمعة بالجامع الازهر ما تيسر من القرآن، فلما أن قرب العصر قاموا فدعوا وضجوا. وكثر الناس معهم في ذلك إلى أن صعد الأربعون إلى السطح فأذنوا العصر جميعاً وانفضوا، وكان بعض العجم قال للشريف إن هذا يدفع الطاعون، ففعل ذلك فما ازداد الطاعون إلا كثرة حت دخل رجب، فلما دخل رجل تناقص؛ قرأت بخط قاضي الحنابلة محب الدين أن شخصاً يقال له على الحريري كان له أربعة مراكب فيها مائة نفر وعشرون نفراً ماتوا كلهم بالطاعون إلا واحداً، ولما اشتد الامر بالطاعون أمر السلطان باستفتاء العلماء عن نازلة الطاعون هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه أو يشرع القنوت له في الصلوات؟ وما الذي وقع للعلماء في الزمن الماضي؟ فكتبوا الأجوبة وتشعبت آراؤهم وتحصل منها على انه يشرع الدعاء والتضرع والتوبة، وتقدم قبل ذلك التوبة، والخروج من المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانهم لا يستحضرون عن أحد من السلف أنهم اجتمعوا لذلك إلا أن الاجتماع أرجى للإجابة؛ وأجاب الشافعي بجواز القنوت، لأنها نازلة وقد صرح الشافعية بمشروعية القنوت في النوازل، وأجاب الحنفي والمالكي بالمنع، واجاب الحنبلي بأن عندهم روايتين ومن جوزه خصه بالإمام الاعظم في غير يوم الجمعة؛ ثم طلب القضاة والعلماء إلى حضرة السلطان

<<  <  ج: ص:  >  >>