للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد صعدت الحصن فرأيت من صعوبته ما يزيد على الوصف، وكثر حمدي لله تعالى على ما ألقى في قلوبهم من الرعب، فإنهم لو ثبتوا لزاد التعب، ولم نقدر عليه بنقب ولا مكحلة، والمرجو ممن حقق بعض - منام الأمير سودون أن يحقق بقيته، واتفق رأي الأمراء أن يشتوا في بلاد الروم في بلدة يقال لها مكري حتى يريد الله ما يريد فهو المرجو فضله في تيسير الأمور، ثم لم يوافقهم الريح الشرقي واستمر الغربي، وخافوا من هروب من في المراكب من النواتية وغيرهم، فاقتضى رأيهم أن ينزلوا بجزيرة قبرس، فساروا

ضحى يوم الأحد ثالث شهر رجب، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح، فأقاموا بها يومين ثم سافروا، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار، وهو كبيرهم، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء، فأرسينا هنالك، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك، وأن تحبط أعمالنا لذلك، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر، وعاد اسوداده واخضراره فائقاً بياض النحر، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب، بأليم العذاب، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم، إلا الأعمال الصالحة، والأقوال الرابحة، ولم أستحضر فيما سلف لي منها اأرتضيه، فألتجئ إلى ظله وارتجيه، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول، واشده إنقاذاً من شدة الشدائد الصلاة على الرسول، فلزمتها ليلاً ونهاراً، عشياً وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا، ريح تكاد والعياذ بالله أن تقلب الغراب، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار، فضاقت الصدور من جامعين، وطارت القلوب من خافضين رافعين، ليل سواده أشد من سواد الغراب، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفاً من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان. يوم الأحد ثالث شهر رجب، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح، فأقاموا بها يومين ثم سافروا، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار، وهو كبيرهم، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء، فأرسينا هنالك، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك، وأن تحبط أعمالنا لذلك، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر، وعاد اسوداده واخضراره فائقاً بياض النحر، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب، بأليم العذاب، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم، إلا الأعمال الصالحة، والأقوال الرابحة، ولم أستحضر فيما سلف لي منها اأرتضيه، فألتجئ إلى ظله وارتجيه، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول، واشده إنقاذاً من شدة الشدائد الصلاة على الرسول، فلزمتها ليلاً ونهاراً، عشياً وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا، ريح تكاد

<<  <  ج: ص:  >  >>