للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسافرة بعيداً عن أهلها وتخشى على نفسها الفتنة

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا فتاة مسلمة أعيش وحيدة في بلاد كافرة، بعد أن رفض أهلي كل من تقدم لي للزواج، وقد عانيت كثيراً وأنا أحاول الهروب من الفتن وأحافظ على ديني، لكن ٤ سنوات من الغربة جعلتني أمرض وأعاني من آلام نفسية حادة، لكثرة ندمي على سفري بلا محرم، ولا أستطيع العودة إلى بلدي، ولا أهلي تركوني أحصن نفسي، وبالرغم من أنني حافظت على حجابي وساهمت في الدعوة إلى الله إلا أنني ضعفت وكدت أقع في الزنا، ومن ثم ساءت حالتي أكثر وأكثر. فكرت في الانتحار لكن علمي بعظم هذا الجرم منعني.

سافرت في إطار عملي فالتقيت بشاب من بلدي الأصلي تظهر عليه علامات الطهر والالتزام يعيش في نفس البلد الذي أدرس فيه.

كنت أبكي طيلة السفر، وأدعو الله أن أموت في تلك الرحلة، لأنني أشعر أني ضعفت وفقدت القدرة على المقاومة.

عندما عدت من السفر أحسست أن شيئاً ما تغير في نفسي، وأني استعدت ثقتي بالله، وقطعت صلتي بكل من أفسدني، وأعلنتها توبة عجزت عنها منذ مدة طويلة، صليت لله واستخرت أن يكون هذا الشاب زوجي، فوالله ما فتئ يتصل بي طالباً مني الزواج على أن ألتزم بالشرع، أخبرت أهلي لكنهم رفضوا مرة أخرى وآذوني لأنهم ما فكروا فيما أعاني، فوالله لا أريد عقوقهم، لكنهم يحملوني ما لا طاقة لي به، فقد فكرت طلب ولاية الإمام، لأن الشاب من أحسن ما رأيت دينا وخلقا، ووالله لا أريد إلا تحصين نفسي لوجه الله فما أفعل؟

وسؤالي الثاني: إنني أحس بالذنب مع هذا الشاب لما أذنبته، فهل أخبره بما فعلته في الماضي برغم توبتي الصادقة! أنا على اتصال هاتفي بهذا الشاب للتفاهم، ويشهد الله أنه ما تجاوز حدوده أبدا! أفيدوني بإجابتكم فوالله إن قلبي لممزق.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويزيل غمك، ويحميك من الانزلاق في مهاوي الردى والمعصية إنه على ما يشاء قدير.

اسمعي معي إلى هذا النداء الإلهي العظيم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/٥٣.

واسمعي إلى قوله تعالى وهو ينادي عباده المؤمنين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التحريم/٨.

والله يقبل التوبة عن عباده، كما قال جل شأنه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/٢٥.

أختي السائلة:

ما الذي دعاك لترك أهلك؛ والسفر إلى بلاد الكفر والعيش معهم؟! والإنسان لم يعد يأمن على نفسه حتى في بلاد الإسلام! وذلك لكثرة الشبهات والشهوات!

فكيف ببلاد استبيح فيها كل شيء، وفتحت فيها أبواب المعاصي على مصراعيها!

من أجل هذا – ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته, وحماية لهم من الوقوع في مثل ما وقعت به – أسأل الله أن يعافيك-، حرّم السكن والعيش بين الكفار, والإقامة في بلادهم. فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (٢٦٥٤) والترمذي (١٦٠٤) وصححه الألباني في إرواء الغليل (١٢٠٧) .

والإقامة في بلاد الكفر مرتع وخيم، وعيش نكد، وحياة قلق واضطراب، وهم – أعني أصحاب تلك البلاد – حياتهم جهنم لا تطاق – باعترافهم – لأنهم فقدوا تربية الروح، والصلة مع الله، وصارت حياتهم مادية بحتة، فكثرت فيهم الأمراض النفسية، ولجأوا في كثير من الأحيان – للتخلص من هذه الحياة – إلى الانتحار.

ثانياً:

النصيحة لك أن تبحثي عن الأسباب التي جعلت أهلك يقفون منك هذا الموقف، فيرفضون كل من تقدم للزواج منك , وجدي في معرفتها والعمل على إزالتها، حتى تستطيعي معالجة الأمر، وإيجاد الحلول المناسبة؛ حتى يلتم الشمل وتجتمعي مع أهلك.

وإذا تعثر ذلك، وبقيت الأمور على ما هي وتبيّن أن الأسباب الحائلة بينك وبين أهلك أسباب غير شرعية. عند ذلك تنتقل ولايتك للسلطان أو القاضي الشرعي، وحيث إنك توجدين في بلاد ليس فيها قضاء شرعي وليست بلاد إسلام، فلا حرج عليك أن يكون وليك هو مدير أحد المراكز الإسلامية أو إمام المسجد، وانظري جواب السؤال (٧٩٨٩) .

ثالثاً:

إن إحساسك بالذنب على ما قد فعلته سابقاً , ورجوعك إلى الله، والتوبة الصادقة النصوح، التي يندم فيها الإنسان على ما فعل , ويعزم على أن لا يعود، ويقلع عن الذنب , ويستغفر, ويكثر من الأعمال الصالحة , إن ذلك يجبر ما فات ويطهره، قال تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) المائدة/٣٩.

وقال جل شأنه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/٨٢.

وقال تعالى: (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/٧١.

فمن رجع عن المعاصي، وأناب إلى ربه، وأسلم له؛ فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم، قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم/٥٩-٦٠.

والتوبة تفتح على صاحبها باباً جديداً, ينطلق منه إلى حياة جديدة؛ ملؤها الإيمان , والإحسان , والأمل.

قال صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجة (٤٢٥٠) وحسنه الألباني.

فأنصحك بعدم ذكر ذلك له، لأن ذلك صار كأنه لم يكن – بعد التوبة – وابدئي معه حياة جديدة, ملؤها الأمل , والحب , والسعادة , وكلليها بالطاعة , والتقوى، والاستقامة على الهدى.

ونصيحتنا لك أن تعجلي بأمر الزواج من هذا الشاب، لأن اتصاله بك وإقامة علاقة معه قبل الزواج أمر محرم، وقد يكون ذلك باباً من أبواب الفتنة، نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الزلل.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>