للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علم المكي والمدني من سور القرآن الكريم

[السُّؤَالُ]

ـ[ما الفرق بين السور المكية والسور المدنية؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به، كان من أهمها علم: " المكي والمدني ".

ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية:

أولا: بيان معنى مصطلح: " المكي والمدني ".

هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية، وبين ما نزل في المرحلة المدنية، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم، وجعلوا مناطه ومداره على الزمان، وليس على المكان:

فالمكي من الآيات والسور: ما نزل قبل الهجرة النبوية، سواء كان في مكة أو ضواحيها.

والمدني من الآيات والسور: ما نزل بعد الهجرة النبوية، سواء كان مكان نزوله المدينة، أو مكة بعد فتحها، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: أهمية هذا العلم وفوائده.

١- معرفة الناسخ من المنسوخ: وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه، فالنسخ – وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها، هل هو قديم في بداية الإسلام، أو متأخر، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها.

٢- معرفة تاريخ التشريع ومراحله، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته.

٣- الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها، فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم.

٤- ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم.

٥- التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد، وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان.

٦- معرفة السيرة النبوية، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان فهم " المكي والمدني " رافدا من روافد علم السيرة النبوية، ومكملا لدراساته.

ثالثا: الفرق بين المكي والمدني.

تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين: المضمون، والأسلوب.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع:

أ- أما من حيث الأسلوب فهو:

١- الغالب في المكي قوة الأسلوب، وشدة الخطاب؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون، ولا يليق بهم إلا ذلك، أقرأ سورتي المدثر، والقمر.

أما المدني: فالغالب في أسلوبه اللين، وسهولة الخطاب؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون، أقرا سورة المائدة.

٢- الغالب في المكي قصر الآيات، وقوة المحاجة؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم، أقرا سورة الطور.

أما المدني: فالغالب فيه طول الآيات، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة؛ لأن حالهم تقتضي ذلك، أقرأ آية الدين في سورة البقرة.

ب- وأما من حيث الموضوع فهو:

١- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك.

أما المدني: فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.

٢- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق، بخلاف القسم المكي " انتهى.

"أصول التفسير" (ص/١٣)

ويقول الدكتور مناع القطان رحمه الله:

" استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات:

ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية:

١- كل سورة فيها سجدة فهي مكية.

٢- كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن. وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة.

٣- كل سورة فيها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ، وليس فيها: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ) فهي مكية، إلا سورة الحج، ففي أواخرها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك.

٤- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية، سوى البقرة.

٥- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية، سوى البقرة كذلك.

ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية:

١- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية.

٢- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية، سوى العنكبوت، فإنها مكية.

٣- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية.

هذا من ناحية الضوابط، أما من ناحية المميزات الموضوعية، وخصائص الأسلوب، فيمكن إجمالها فيما يأتي:

١- بيان العبادات، والمعاملات، والحدود، ونظام الأسرة، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع.

٢- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم.

٣- الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.

٤- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " انتهى.

"مباحث في علوم القرآن" (٦٢-٦٤)

وأخيرا:

من أراد التفصيل في هذا العلم، والاطلاع على كلام العلماء وتعدادهم للسور المكية والمدنية، واختلافهم في بعضها، وكذلك الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها المستشرقون حول هذا الموضوع، فنحيله إلى المراجع الآتية:

"البرهان في علوم القرآن" للزركشي (١/١٨٧-٢٠٦) ، "الإتقان في علوم القرآن" (١/٣٤-٥٩) ، "مناهل العرفان في علوم القرآن" لمحمد عبد العظيم الزرقاني (١/١٣٥-١٦٧)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>