للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متى يجب الإنصات لتلاوة القرآن؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو حكم إذا كنا جالسين في مجلس كبير يقرأ فيه القرآن، وكنت أنا ورفيق لي منفصلين بحوار آخر عن الموجودين. إذا كنا في سيارة أو حافلة والسائق يستمع إلى القرآن أو يقرؤه ولم نكن مشاركين له فيما يقرأ. إذا كنا في غرفة ما، ويوجد من يصلي جهراً، أو يقرأ القرآن جهرا. أو أي حالة أخرى في مكان يقرأ القرآن فيه ولم نكن نرغب أو نشارك فيما يقرأ، فهل يجب علينا أن ننصت حتى يفرغ القارئ، وتنطبق علينا الآية الكريمة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد للَّه

اختلف العلماء في حكم الإنصات لقراءة القرآن خارج الصلاة، على قولين:

القول الأول: الوجوب، وهو مذهب الأحناف، وبعضهم جعله وجوبا عينيا، وآخرون قالوا وجوب كفائي، واستدلوا بعموم قوله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/٢٠٤

جاء في "الموسوعة الفقهية" (٤/٨٦) :

" الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم حين يقرأ خارج الصلاة واجبٌ إن لم يكن هناك عذرٌ مشروعٌ لترك الاستماع.

وقد اختلف الحنفيّة في هذا الوجوب، هل هو وجوبٌ عينيٌّ، أو وجوبٌ كفائيٌّ؟

قال ابن عابدين: الأصل أنّ الاستماع للقرآن فرض كفايةٍ، لأنّه لإقامة حقّه، بأن يكون ملتفتاً إليه غير مضيّعٍ، وذلك يحصل بإنصات البعض، كما في ردّ السّلام.

ونقل الحمويّ عن أستاذه قاضي القضاة يحيى الشّهير بمنقاري زاده: أنّ له رسالةً حقّق فيها أنّ سماع القرآن فرضُ عينٍ.

نعم إنّ قوله تعالى في سورة الأعراف (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قد نزلت لنسخ جواز الكلام أثناء الصّلاة، إلاّ أنّ العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب، ولفظها يعمّ قراءة القرآن في الصّلاة وفي غيرها " انتهى.

القول الثاني: الاستحباب والندب، وحملوا الآية التي في سورة الأعراف في حال الصلاة فقط، أما في غير الصلاة فالأمر على الندب والاستحباب، وهذا قول جماهير أهل العلم.

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (٢/٣٧٢) :

" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قوله: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/٢٠٤: يعني في الصلاة المفروضة. وكذا روي عن عبد الله بن المغفل. وقال ابن جرير: حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاص يقص فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود؟ قال: فنظرا إلي ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت، فنظرا إلي وأقبلا على حديثهما. قال: فأعدت الثالثة، قال: فنظرا إلي فقالا: إنما ذلك في الصلاة (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/٢٠٤

وكذا رواه غير واحد عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم.

وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بذلك في الصلاة.

وهذا اختيار ابن جرير: أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة وفي الخطبة كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة " انتهى.

ويظهر أن هذا القول هو القول الراجح، لأن الوجوب يلزمه دليل صريح، وإلا ألزمنا الناس بما فيه مشقة ظاهرة من غير دليل.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/١٩٧، سؤال رقم/٢٦) :

كان مجموعة في السيارة يمشون، وشغل أحدهم شريط قرآن، فهل يجب على الجميع استماع هذا الشريط، وهل يأثم من يتكلم والشريط شغال؟

فكان الجواب:

قال الإمام أحمد رحمه الله في هذه الآية: هذا في الصلاة. وقال: أجمعوا على أن ذلك في الصلاة. وعلى هذا فلو كنت بجوار شخص يقرأ القرآن ويجهر به، وأنا أسبح وأهلل - ذكر خاص - فإنه لا يلزمني أن أستمع له، وإنما ذلك في الصلاة فقط.

ولكني أقول للأخ الذي شغل المسجل: لا تشغل والناس غافلون؛ لأن هذا أدنى ما نقول فيه أنه يشبه من قال الله فيهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت/٢٦، فإذا رأيت إخوانك لا يريدون الاستماع، إنما هم مشغولون بالحديث بينهم، فلا تشغل المسجل، وإذا كنت تشتاق لهذا فهناك سماعة صغيرة أدخلها في أذنك، ويجعل الصوت له وحده " انتهى.

وجاء في "المنتقى من فتاوى الفوزان" (٣/سؤال رقم ٤٣٧)

" أقضي بعض الأوقات الساعات الطوال في المطبخ، وذلك لإعداد الطعام لزوجي، وحرصًا مني على الاستفادة من وقتي؛ فإنني أستمع إلى القرآن الكريم، سواء كان من الإذاعة، أو من المسجل؛ فهل عملي هذا صحيح أم أنه لا ينبغي لي فعل ذلك؛ لأن الله تعالى يقول:

(وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ؟

الجواب: لا بأس باستماع القرآن الكريم من لمذياع أو من المسجل والإنسان يشتغل، ولا يتعارض هذا مع قوله: (فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) ؛ لأن الإنصات مطلوب حسب الإمكان، والذي يشتغل ينصت للقرآن حسب استطاعته " انتهى.

واختيار القول بالاستحباب لا يعني التساهل وتعمد التغافل عن الإنصات لكلام الله سبحانه وتعالى حين يتلى، فالحرص على الإنصات لا بد أن يكون أصلا ثابتا في حياة المسلم، ولا ينصرف عنه إلا لشغل أو حاجة.

يقول النووي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (٩٢) :

" ومما يُعْتنى به ويتأكد الأمر به: احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين، فمن ذلك: اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة، إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وليقتد بما رواه ابن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان إذا قُرئ القرآنُ لا يتكلم حتى يُفرَغَ منه) " انتهى.

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/١٤٦،سؤال رقم ٩) :

" ليس من الآداب أن يتلى كتاب الله ولو بواسطة الشريط وأنت متغافل عنه " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>