للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي يقبض الأرواح ملك واحد أم ملائكة؟.

[السُّؤَالُ]

ـ[هناك بعض المسيحيين الذين يقولون بوجود بعض المتناقضات في القرآن، ويدّعون بأن القرآن يقول بأن ملك الموت واحد (سورة السجدة: ١١) ثم يأتي مرة أخرى ليقول أن ملائكة يتوفون الناس (سورة محمد: ٢٧) . فهل يمكن مساعدتي في الرد على هذا، إنني أعلم أنه لا يوجد متناقضات في القرآن لذا أخبروني ما هو الخطأ في فكرتهم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله:

أولا:

لا شك في أن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو كتاب محكم لا اختلاف فيه ولا تناقض.

وما يزعمه البعض من وجود تناقض في القرآن فبسبب قصور علمهم وقلة اطلاعهم وتدبرهم لكلام الله.

قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء/٨٢]

قال ابن كثير رحمه الله: " يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه، ولا اضطراب، ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق ". انتهى من " تفسير القرآن العظيم" (١/٥٢٩) .

ثانياً:

جاء في بعض الآيات أن الذي يقبض أرواح الناس ملَك واحد، كما في قوله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [السجدة/١١]

ولم يثبت في حديث صحيح تسميته بـ "عزرائيل" كما هو مشهور عند كثير من الناس.

وجاء في آيات أخرى أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملَك واحد، كقوله تعالى: (إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ) [النساء: ٩٧] ا.

وقوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) [محمد: ٢٧] وقوله تعالى: (حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) [الأنعام: ٦١] إلى غير ذلك من الآيات.

ولا تعارض بين هذه الآيات ولا تناقض بحمد الله تعالى، وذلك لأن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد، إلا أن له أعواناً يعملون بأمره ويعينونه على ذلك.

ومما يدل على وجود أعوان لملك الموت ما رواه الإمام أحمد في مسنده (١٨٠٦٣) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ..

فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

فَيَصْعَدُونَ بِهَا ... ) الخ، والحديث صححه ابن القيم في " إعلام الموقعين " (١ / ٢١٤) ، والألباني في "أحكام الجنائز" صـ ١٥٩.

فهذا الحديث يدل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين يأخذون من يده الروح حين يأخذها من بدن الميت.

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: " إن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: (توفته رسلنا) ، و"الرسل" جملة، وهو واحد؟

قيل: جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت.

فيكون" التوفي" مضافًا إلى ملك الموت، كما يضاف قتلُ من قتله أعوانُ السلطان، وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده ". انتهى من تفسير الطبري (١١/٤١٠) بتصرف يسير.

وقال الإمام أبو المظفر السمعاني:

" فإن قيل: قد قال في آية أخرى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) السجدة /١١، وقال هاهنا: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) الأنعام /٦١، فكيف وجه الجمع؟

قيل: قال إبراهيم النخعي: لملك الموت أعوان من الملائكة، يتوفَّوْن عن أمره؛ فهو معنى قوله: (توفته رسلنا) ، ويكون ملك الموت هو المتوفى في الحقيقة؛ لأنهم يصدرون عن أمره، ولذلك نسب الفعل إليه في تلك الآية. وقيل: معناه: ذكر الواحد بلفظ الجمع، والمراد به: ملك الموت. "

وقال القرطبي:

" والتوفي تارة يُضاف إلى ملك الموت، كما قال: (قل يتوفاكم ملك الموت) .

وتارة إلى الملائكة لأنهم يتولون ذلك، كما في قوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) .

وتارة إلى الله وهو المتوفي على الحقيقة، كما قال: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) " انتهى من " تفسير القرطبي" (٧/٧) .

قال الشيخ ابن عثيمين: " إن ملك الموت له أعوان يعينونه على إخراج الروح من الجسد حتى يوصلوها إلى الحلقوم، فإذا أوصلوها إلى الحلقوم قبضها ملك الموت.

وقد أضاف الله تعالى الوفاة إلى نفسه، وإلى رسله أي: الملائكة، وإلى ملك واحد ... ولا معارضة بين هذه الآيات، فأضافه الله إلى نفسه؛ لأنه واقع بأمره، وأضافه إلى الملائكة؛ لأنهم أعوان لملك الموت، وأضافه إلى ملك الموت؛ لأنه هو الذي تولى قبضها من البدن ". انتهى " الشرح الممتع" (٥/ ١١٤)

وينظر: أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (٦/٢٩١) .

ثالثاً:

ننصحك أخي السائل بالابتعاد عن سماع الشبه، خاصة مع عدم وجود القدرة العلمية على ردها، والانشغال بما ينفعك من العلم النافع والعمل الصالح.

فالاستماع إلى الشبهات من أعظم الفتن التي تضر العبد في دينه , ولذلك كان السلف ينهون عن الاستماع لأهل الأهواء والبِدع، فكيف بسماع شبه غير المسلمين!!

وللوقوف على خطر الاستماع للشبهات يمكنك الرجوع إلى جواب السؤال (٩٧٧٢٦) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>