للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تفسير قوله تعالى في وصف الشمس والقمر أنهما دائبان وأنهما في فلك يسبحون

[السُّؤَالُ]

ـ[ورد في القرآن قول الله تعالى: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) ، وقوله تعالى في سورة " يس ": (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) فما المقصود بـ " فلك " و " دائبين "؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

هاتان الآيتان من الآيات التي تتحدث عن المظاهر الكونية الباهرة التي تدل على سعة خلق الله تعالى وعظمته، الآية الأولى رقم/٣٣ في سورة الرعد يقول الله تعالى فيها: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)

وقد ذكر المفسرون لوصف دؤوب الشمس والقمر معاني عدة:

أشهرها دوام المسير في هذا الكون الفسيح من غير توقف.

ومنها: دوام طاعة الله تعالى والافتقار إلى تدبيره عز وجل.

ومنها: دوام نفعهما واستمرار فوائدهما على هذا الكون.

يقول الحافظ ابن جرير الطبري رحمه الله:

" يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار، لصلاح أنفسكم ومعاشكم (دَائِبَيْنِ) في اختلافهما عليكم. وقيل: معناه: أنهما دائبان في طاعة الله ... عن ابن عباس، في قوله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) قال: دءوبهما في طاعة الله " انتهى.

" جامع البيان " (١٦/١٣-١٤)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

" أي: يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (٤/٥١١)

ويقول الرازي رحمه الله:

" وقوله: (دَائِبَينَ) معنى الدؤوب في اللغة: مرور الشيء في العمل على عادة مطردة، يقال دأب يدأب دأباً ودؤوباً، قال المفسرون: قوله (دَائِبَينَ) معناه: يدأبان في سيرهما وإنارتهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان، فإن الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، ولولا الشمس لما حصلت الفصول الأربعة، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية " انتهى.

" مفاتيح الغيب " (١٩/١٠١)

ثانيا:

وأما الآية الثانية التي يصف الرب فيها عز وجل الشمس والقمر بالسباحة في الفلك فقد جاء ذلك في موضعين من القرآن الكريم:

الأول: قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) الأنبياء/٣٣

والثاني: قوله عز وجل: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يس/٤٠

وحاصل تفسير العلماء لهذه الآية هو أنها تصف النجوم والشمس والقمر والأفلاك بالدوران والحركة والسير في الفضاء الفسيح دورانا محكما موزونا.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

" (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي: يدورون. قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة. وكذا قال مجاهد: فلا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به، ولا يدور إلا بهن، كما قال تعالى: (فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الأنعام/٩٦. " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (٥/٣٤١)

ويقول العلامة القرطبي رحمه الله:

" (كلٌّ) يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار (في فلك يسبحون) أي: يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء " انتهى.

" الجامع لأحكام القرآن " (١١/٢٨٦)

أما تقييد الآيات جريان وسباحة أجرام السماء بكونها (في فلك) ، فقد اختلف العلماء في تفسير شكله وهيئته وحقيقته على أقوال كثيرة، لكنها تتفق في النهاية على المعنى المقصود، وهو أن كل أجرام السماء من نجوم وشمس وقمر تجري وتسبح في فلك خاص، أي: مدار خاص، ونطاق معين، لا تصطدم بغيرها، ولا تختل مسيرتها.

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله:

" والفلك: فسره أهل اللغة بأنه مدار النجوم، وكذلك فسره المفسرون لهذه الآية، ولم يذكروا أنه مستعمل في هذا المعنى في كلام العرب.

ويغلب على ظني أنه من مصطلحات القرآن، ومنه أخذه علماء الإسلام، وهو أحسن ما يعبر عنه عن الدوائر المفروضة التي يضبط بها سير كوكب من الكواكب، وخاصة سير الشمس، وسير القمر.

والأظهر أن القرآن نقله من فلك البحر، وهو الموج المستدير، بتنزيل اسم الجمع منزلة المفرد، والأصل الأصيل في ذلك كله " فَلْكة المِغْزَل " بفتح الفاء وسكون اللام، وهي خشبة مستديرة في أعلاها مسمار مثني، يدخل فيه الغزل، ويدار لينفتل الغزل " انتهى.

" التحرير والتنوير " (١٧/٤٥)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

موقع الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>