للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفرق بين الكبائر والصغائر

[السُّؤَالُ]

ـ[هل من الممكن أن تبينوا لي الفرق بين الكبائر والصغائر؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

قال ابن القيم رحمه الله: " الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار " انتهى.

"مدارج السالكين" (١/٣١٥)

فمتى عرفنا الكبائر عرفنا الصغائر.

وقد تعددت أقوال العلماء في تعريف الكبيرة بعد التسليم بعدم إرادة الحصر في السبع:

قال الحافظ:

" قِيلَ: الكبيرة مَا يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة.

وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام: لَمْ أَقِف عَلَى ضَابِط الْكَبِيرَة يَعْنِي يَسْلَم مِنْ الِاعْتِرَاض , قَالَ: وَالْأَوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا إِشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا , قَالَ وَضَبَطَهَا بَعْضهمْ بِكُلِّ ذَنْب قُرِنَ بِهِ وَعِيد أَوْ لَعْن.

وَقَالَ اِبْن الصَّلَاح: لَهَا أَمَارَات مِنْهَا إِيجَاب الْحَدّ , وَمِنْهَا الْإِيعَاد عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ وَنَحْوهَا فِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة , وَمِنْهَا وَصْف صَاحِبهَا بِالْفِسْقِ , وَمِنْهَا اللَّعْن.

وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَ " كُلّ ذَنْب نَسَبَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى النَّار فَهُوَ كَبِيرَة "

وَمِنْ أَحْسَنِ التَّعَارِيفِ قَوْلُ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم " كُلّ ذَنْب أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة أَوْ إِجْمَاع أَنَّهُ كَبِيرَة أَوْ عَظِيم أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَاب أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِير عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَة ".

وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي تَتَبُّع مَا وَرَدَ فِيهِ الْوَعِيد أَوْ اللَّعْن أَوْ الْفِسْق مِنْ الْقُرْآن أَوْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالْحَسَنَة وَيُضَمّ إِلَى مَا وَرَدَ فِيهِ التَّنْصِيص فِي الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح وَالْحِسَان عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَة.

وَقَالَ الْحَلِيمِيّ فِي " الْمِنْهَاج " مَا مِنْ ذَنْب إِلَّا وَفِيهِ صَغِيرَة وَكَبِيرَة , وَقَدْ تَنْقَلِب الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمّ إِلَيْهَا , وَتَنْقَلِب الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً كَذَلِكَ , كَقَتْلِ النَّفْس بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ كَبِيرَة , فَإِنْ قَتَلَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا أَوْ ذَا رَحِمٍ أَوْ بِالْحَرَمِ أَوْ بِالشَّهْرِ الْحَرَام فَهُوَ فَاحِشَة. وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ , فَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَار أَوْ بِذَاتِ رَحِم أَوْ فِي شَهْر رَمَضَان أَوْ فِي الْحَرَم فَهُوَ فَاحِشَة.

وَسَرِقَة مَا دُون النِّصَاب صَغِيرَة , فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوق مِنْهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَفْضَى بِهِ عَدَمُهُ إِلَى الضَّعْف فَهُوَ كَبِيرَة "

انتهى كلام الحافظ ملخصا.

وينظر: "تفسير ابن كثير" (٢/٢٨٥-٢٨٦)

وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ. هَلْ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ؟

فأجاب:

" أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ مَا دُونُ الْحَدَّيْنِ: حَدُّ الدُّنْيَا وَحَدُّ الْآخِرَةِ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَا لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةِ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلَا وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ أَيْ " وَعِيدٌ خَاصٌّ " كَالْوَعِيدِ بِالنَّارِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَنْبٍ تُوُعِّدَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَشُمُّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَقِيلَ فِيهِ: مَنْ فَعَلَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَأَنَّ صَاحِبَهُ آثِمٌ. فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ " انتهى باختصار.

"مجموع الفتاوى" (١١/٦٥٠- ٦٥٢) ، وينظر: "مجموع الفتاوى" (١١/٦٥٨-٦٥٩) ، "مدارج السالكين" لابن القيم (١/٣١٥-٣٢٧) في بحث له نفيس.

وقد جاء ما يفيد بظاهره حصر الكبائر في سبع:

فروى البخاري (٢٧٦٧) ومسلم (٨٩) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) .

وروى الطبراني في "المعجم الأوسط" (٥٧٠٩) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكبائر سبع: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وقذف المحصنة والفرار من الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (٤٦٠٦)

إلا أن الحصر في سبع غير مراد.

قال الحافظ في الفتح:

" أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الْكَبَائِر سَبْع فَقَالَ: هُنَّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْع وَسَبْع , وَفِي رِوَايَة عَنْهُ هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ , وَفِي رِوَايَة إِلَى السَّبْعمِائَةِ , وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمُبَالَغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى سَبْع " انتهى.

وها هنا ثلاثة أمور ينبغي الالتفات إليها والتفطن لها:

أولها: أن الإصرار على الصغيرة قد يجعلها كبيرة.

قالَ الْقَرَافِيُّ: الصَّغِيرَةُ لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَلَا تُوجِبُ فُسُوقًا , إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَتَكُونُ كَبِيرَةً. . . فَإِنَّهُ لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ , وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ كَمَا قَالَ السَّلَفُ. . . وَيَعْنُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةَ بِشُرُوطِهَا , لَا طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَزْمِ " انتهى.

"الموسوعة الفقهية" (٣٤/١٥٦)

وقال ابن القيم رحمه الله:

" الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة أو يربى عليها " انتهى.

"إغاثة اللهفان" (٢/١٥١)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" إذا أصر الإنسان على الصغيرة وصار هذا ديدنه صارت كبيرة بالإصرار لا بالفعل، مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة، ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة، فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار؛ لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل، وأنه غير مبال بما حرم الله " انتهى بمعناه.

"لقاء الباب المفتوح" (١٧٢/٥)

ثانيها:

أن الاستهانة بالصغائر مهلكة؛ فقد روى أحمد (٣٨٠٨) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ) .

وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: (كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) . صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (٢٤٧٠)

راجع إجابة السؤال رقم (٢٢٤٢٢)

واجتناب الكبائر مكفرة للصغائر.

أنه لا يخلو أحد من ذنب يأتيه في عيشه، إما بينه وبين ربه، وإما بينه وبين الخلق، فليجتهد أن يطهر صحيفته دائما، وليعلم أنه إذا اتقى المهلكات، والكبائر والموبقات، غفر الله له ما بين ذلك من اللمم. قال الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) النساء/٣١، وقال سبحانه: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) النجم/٣٢

قال الحافظ ابن حجر رحمه اله:

" قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَاد بِاللَّمَمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) فَيُؤْخَذ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَم مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر "

انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>