للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاستهزاء بملك الموت

[السُّؤَالُ]

ـ[توفي قريب لأحد معارفي منذ فترة، وبعدها بفترة وجيزة توفي له قريب آخر، فبعدها بفترة طويلة عندما كنا نتحدث عنهما قلت له وبلا قصد: يبدو أن هناك ثأرا ما بين عائلتكم وبين ملك الموت، على سبيل المزاح، فهل يعتبر هذا كفرا بالله؛ لأني قلت هذا على أحد ملائكة الله، أم ماذا، وماذا أفعل؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم بما يغضب الله تعالى، ورُبَّ كلمة يتكلم بها الإنسان، وهو لا يظن أن لها شأناً، تكون سبب هلاكه وعذابه، والعياذ بالله.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) رواه البخاري (٦٤٧٧) ومسلم (٢٩٨٨) .

وفي رواية الترمذي (٢٣١٤) : (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

وعن بلال المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) رواه الترمذي (٢٣١٩) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

والإيمان بالملائكة وإجلالهم وتقديرهم من أركان الإيمان الستة، وملك الموت لا يتصرف إلا بما يأمره الله به، كما قال عز وجل: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) الأنعام/٦١.

فهم موكلون من الله عز وجل بتقدير حكيم، وليس ذلك عن ثأر ولا عن بغض أو انتقام – تعالى الله عن ذلك -: قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة/١١.

وقد ذكر أهل العلم أن الاستهزاء بالملائكة أو بأحد منهم كفر، وخروج عن الإسلام واستدلوا بقول الله عز وجل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/٦٥-٦٦.

قال ابن حزم رحمه الله:

" وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه، فهو كافر " انتهى.

"الفصل في الملل والأهواء والنحل" (٣/١٤٢) .

وقال أيضا:

" كل من سب الله تعالى أو استهزأ به، أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به، أو سب نبيا من الأنبياء أو استهزأ به، أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها، والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى، فهو بذلك كافر، مرتد، له حكم المرتد " انتهى.

"المحلى" (١١/٤١٣) .

وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله:

" يكفر بعيبه ملكا من الملائكة أو الاستخفاف به " انتهى.

"البحر الرائق" (٥/١٣١) .

بل ذكر بعض العلماء أنه يكفر مَن تكلم بما فيه مجرد إشعار بالاستهزاء والسخرية.

قال ابن نجيم الحنفي:

"ويكفر بقوله لغيره: " رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت " عند البعض، خلافاً للأكثر " انتهى.

والكلمة التي تكلمت بها فيها شيء من الاستهزاء بملك الموت، فعليك التوبة منها والاستغفار، وسؤال الله تعالى العفو والعافية، والعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى، وتجديد إيمانك بالنطق بالشهادتين، وأكثر من الأعمال الصالحة – الصدقة وغيرها – فإن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>