للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كيف شرح الله صدر رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم

[السُّؤَالُ]

ـ[كيف شرح الله تعالى صدر رسوله صلى الله عليه وسلم عندما قال: (ألم نشرح لك صدرك) ؟.....وهل صحيح ما قيل: إنه كان على يد سيدنا جبريل عليه السلام مرتين في عمره؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد للَّه

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله بنعم عظيمة جليلة، أولاها فضلا، وأوفاها مِنَّةً، وأعلاها قدرا نعمةُ النبوة، حيث اصطفاهم لقربه، واجتباهم لرحمته.

يقول الله تعالى: (وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ) آل عمران/١٧٩

ويقول سبحانه: (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الأنعام/٨٧

وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بمزيد فضل، وحباه بعظيم قدر، حتى قال سبحانه وتعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) النساء/١١٣

ومن هذا الفضل أنه سبحانه شرح صدر الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة في سورة من القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة، تسمى سورة "الشرح".

يقول سبحانه وتعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) الشرح/١

وشَرْحُ صدر النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن معاني كثيرة عظيمة:

١- شرح الله صدره للإسلام دينا وشريعة، وهذا أعظم ما يمكن أن ينشرح له الصدر، وهو تفسير ابن عباس، علقه البخاري في صحيحه (كتاب التفسير / باب سورة الشرح، ص ٩٨٢)

٢- وشرح الله صدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن ملأه حكمة وعلما وإيمانا، كما فسره الحسن البصري، ويذكر العلماء في تفسير ذلك حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم، والتي تكررت مرتين في حياته صلى الله عليه وسلم:

الأولى: كانت وهو صغير في بني سعد.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ) رواه مسلم (١٦٢)

الثانية: كانت ليلة الإسراء.

كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ) رواه البخاري (٣٤٩) ومسلم (١٦٣)

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "فتح الباري" (٧/٢٠٤) :

" وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء، وقال إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به ... وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك، قال القرطبي في "المفهم": لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء؛ لأن رواته ثقات مشاهير " انتهى.

وقد جاءت حادثة شق الصدر أيضا في بعض الروايات في أوقات أخرى، في عمر العشر سنوات، وعند البعثة، لكنها روايات ضعيفة. انظر "السيرة النبوية الصحيحة" (١/١٠٣)

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (٤/٦٧٧) :

" يقول تعالى: (ألم نشرح لك صدرك) يعني: أما شرحنا لك صدرك، أي: نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا، كقوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)

وقيل: المراد بقوله: (ألم نشرح لك صدرك) شرح صدره ليلة الإسراء، ولكن لا منافاة، فإنه من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا فالله أعلم " انتهى.

٣- وجاء في "روح المعاني" (٣٠/١٦٦) :

" وقيل: المعنى: ألم نزل همك وغمك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا، فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى.

ونقل عن الجمهور أن المعنى: ألم نفسحه بالحكمة ونوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك " انتهى.

٤- وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (١/٤٨٥٠) :

" وشرح صدره كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات، وإعلامه برضى الله عنه، وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر " انتهى.

وانظر "سبل الهدى والرشاد" (٢/٥٩) .

٥- ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير سورة الشرح" (ص/١) :

" وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه، حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان " انتهى باختصار.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>