للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تفسير: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)

[السُّؤَالُ]

ـ[قال الله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) ما معنى: أمة وسطا؟ وما المقصود بالشهادة على الناس؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة/١٤٣.

جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية تبين أن المراد من قوله تعالى: (أمة وسطاً) أي: عدلاً خياراً. وأن المراد من الشهادة على الناس: الشهادة على الأمم يوم القيامة أن رسلهم قد بلغوهم رسالات الله. ولم تخرج كلمات المفسرين عن ذلك المعنى.

روى البخاري (٤٤٨٧) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ؛ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ , قَالَ: فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ , قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قَالَ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ) وزاد أحمد (١٠٨٩١) : (قَالَ: فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلاغِ , قَالَ: ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ) .

وروى الإمام أحمد (١١٦٤) وابن ماجه (٤٢٨٤) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ , وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: لا فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ , فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ؛ فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ؛ فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا , فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قَالَ: يَقُولُ: عَدْلا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٢٤٤٨) .

قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية:

" فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها , ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي " انتهى.

"جامع البيان " (٢/٨) .

وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية:

" والوسط ههنا الخيار والأجود , كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي: خيارها , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه , أي أشرفهم نسباً , ومنه: الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي صلاة العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها. . .

(لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)

قال: لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل " انتهى باختصار.

"تفسير ابن كثير" (١/١٨١) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" ومن فوائد الآية: فضل هذه الأمة على جميع الأمم؛ لقوله تعالى: (وسطاً) .

ومنها: عدالة هذه الأمة؛ لقوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) ؛ والشهيد قوله مقبول.

ومنها: أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة؛ لقوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) ؛ والشهادة تكون في الدنيا، والآخرة؛ فإذا حشر الناس، وسئل الرسل: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم؛ ثم تسأل الأمم: هل بُلِّغتم؟ فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير؛ ما جاءنا من أحد؛ فيقال للرسول: من يشهد لك؟ فيقول: (محمد وأمته) ؛ يُستشهدون يوم القيامة، ويَشهدون؛ فيكونون شهداء على الناس.

فإذا قال قائل: كيف تشهد وهي لم تر؟

نقول: لكنها سمعت عمن خبره أصدق من المعاينة، صلوات الله وسلامه عليه " انتهى.

"تفسير سورة البقرة" (٢/١١٥، ١١٦) باختصار.

ونقل البغوي في تفسيره (١/١٢٢) عن الكلبي أنه قال: (وَسَطاً) : " يعني: أهل دين وسط، بين الغلو والتقصير، لأنهما مذمومان في الدين ".

وقال الشيخ السعدي في تفسيره (ص ٦٦) :

" أي: عدلا خيارا. وما عدا الوسط , فالأطراف داخلة تحت الخطر. فجعل الله هذه الأمة وسطا في كل أمور الدين. وسطا في الأنبياء , بين من غلا فيهم كالنصارى , وبين من جفاهم كاليهود , بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك.

ووسطا في الشريعة , لا تشديدات اليهود وآصارهم , ولا تهاون النصارى.

وفي باب الطهارة والمطاعم , لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بِيَعهم وكنائسهم , ولا يطهرهم الماء من النجاسات , وقد حرمت عليهم الطيبات , عقوبة لهم. ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا , ولا يحرمون شيئا , بل أباحوا ما دب ودرج. بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها. وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح , وحرم عليهم الخبائث من ذلك. فلهذه الأمة من الدين: أكمله , ومن الأخلاق: أجلها , ومن الأعمال: أفضلها. ووهبهم الله من العلم والحلم والعدل والإحسان , ما لم يهبه لأمة سواهم. فلذلك كانوا (أُمَّةً وَسَطًا) كاملين معتدلين , ليكونوا (شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط , يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان , ولا يحكم عليهم غيرهم. فما شهدت له هذه الأمة بالقبول , فهو مقبول , وما شهدت له بالرد , فهو مردود.

فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم , والحال أن كل مختصمين , غير مقبول قول بعضهم على بعض؟

قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين , لوجود التهمة. فأما إذا انتفت التهمة , وحصلت العدالة التامة , كما في هذه الأمة , فإنما المقصود الحكم بالعدل والحق. وشرط ذلك: العلم والعدل , وهما موجودان في هذه الأمة , فقبل قولها " انتهى.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>