للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ينتابه ضيق وحزن على عدم التركيز في الصلاة، فهل يعيدها؟

[السُّؤَالُ]

ـ[بعد الصلاة ينتابني ضيق وحزن شديد على عدم تركيزي التام أو إتمام الخشوع في الصلاة.. فهل علي إعادة هذه الصلاة؟ وإن كان ذلك الأمر متكرراً فبماذا تنصحوني؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إذا قصر المسلم في طاعة الله تعالى ولم يؤدها كما ينبغي وحزن لذلك فهو علامة على إيمانه وصدقه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ) رواه الترمذي (٢١٦٥) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

ونفس المؤمن تلومه على تقصيره في طاعة الله تعالى.

قال الله عز وجل: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة/١-٢.

قال ابن القيم رحمه الله:

"النفس اللوامة نوعان:

لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته.

ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة" انتهى.

"الروح" (ص٢٢٦) .

ثم ينبني على ذلك: أنه يجتهد في إكمال العبادة وإتمامها.

وليحذر المسلم من الوقوع في أحد أمرين كليهما مذموم: التشدد في لوم نفسه حتى يصل إلى حد الضجر والضيق من غير عمل صالح، أو التساهل وعدم إصلاح العمل، وخير الأمور الوسط.

فأول العلاج التنبه إلى أصل الداء.

يتلو ذلك انبعاث الهمة من نفس العبد على مقارعة العدو، والإصرار على مخالفته، والحرص على كل ما يقوي جانب الطاعة، ويضعف جانب المعصية.

ثم حسن الإقبال على الله تعالى بالعمل الصالح، والانشغال بالذكر الذي يخنس به الشيطان

، وعدم الملل والتضجر من كثرة المحاولات.

ثم التركيز في الصلاة، في القراءة، والأذكار، والأدعية، والدخول فيها كأنها آخر صلاة له مما يساعد بقوة على الخشوع والاطمئنان، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال: (إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع) رواه ابن ماجه (٤١٧١) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

وقال ابن القيم رحمه الله:

"وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟

والقلوب ثلاثة: قلب خال من الإيمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتخذه بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن.

القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.

القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء. والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مسْتَقَر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفه.

فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه.

وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟

وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع.

وقلب بين هذين الداعيين: فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإراداته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع، فهذا القلب للشيطان فيه مطمع وله منه منازلات ووقائع، ويعطي الله النصر من يشاء (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه، فيدخل إليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله، فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة وهي في القلب فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة، فيأخذها ويصول بها على القلب، فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها انتصف من الشيطان، وإلا فالدولة لعدوه عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم "

انتهى مختصرا.

"الوابل الصيب" (ص٤٠) .

أما إعادة الصلاة، فلا إعادة عليك، والإعادة في مثل تلك الحال قد تفتح باب الوسوسة على الإنسان فلا يصلي صلاة إلا ويعيدها عدة مرات.

والمطلوب من المسلم أن يجتهد في الخشوع في صلاته وإتقانها وإحسانها، والأمر يحتاج إلى شدة مجاهدة وصبر.

قال ثابت البناني رحمه الله: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة" انتهى.

"سير أعلام النبلاء" (٥/٢٢٤) .

وانظر للاستزادة: جواب السؤال: (١١٤٥٣٩) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>