للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديث القدسي إني والإنس والجن في نبأ عظيم لا يصح

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو تخريج الحديث القدسي التالي، فهو متداول بكثرة في المنتديات، وأرغب في معرفة الزيادات الضعيفة أو الموضوعة في الحديث، وجزاكم الله خيرا. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي) (خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ) (أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يُجالسني فليذكرني. أهل طاعتي أهل محبتي. أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي!) (الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم)

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الجزء الأول من هذا الحديث وهو قوله: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي) من الأحاديث القدسية الضعيفة المشهورة، والأحاديث القدسية من أكثر الأبواب التي دخل فيها الضعيف والمكذوب.

أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (٢/٩٣) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (١٧/٧٧) وعبد الغني المقدسي في " التوحيد " (١٠٨) -، وأخرجه الحاكم في " تاريخ نيسابور " – كما عزاه إليه في " الدر المنثور " (٧/٦٢٥) - وأخرجه أيضاً البيهقي في " شعب الإيمان " (٤/١٣٤) ، والديلمي في " الفردوس " (٣/١٦٦)

كلهم من طريق بقية بن الوليد، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وشريح بن عبيد الحضرميان، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

يقول الشيخ الألباني رحمه الله:

" ضعيف.... منقطع، فإن عبد الرحمن بن جبير، وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء، فعلة الحديث الانقطاع " انتهى.

" السلسلة الضعيفة " (رقم/٢٣٧١) ، وضعفه السيوطي في " الجامع الصغير "، والمناوي في شرحه " فيض القدير " (٤/٤٦٩) .

ومع ذلك فمعنى الحديث صحيح مقبول، وليس فيه ما ينكر، إلا أنه لا تجوز نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

" معناه صحيح، أن الله يخلق ويعبد سواه، الله خلق المشركين وعبدوا سواه، والله يرزق ويشكر سواه، هذا واقع " انتهى.

نقلا من موقعه على هذا الرابط:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/٨٤/Default.aspx?View=Page&NodeID=١٩٨٧٨&PageID=٩٨٣٩

ثانيا:

أما الجزء الثاني وهو قوله: (خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ)

فهو حديث موضوع مكذوب وإن كان معناه مقبول أيضا:

جاء في " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/٣٢٨٧) للشيخ الألباني رحمه الله:

" (يقول الله تعالى: يا ابن آدم! ما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم، وتتمَقَّتُ إليَّ بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرك إليَّ صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عند كل يوم وليلة بعمل قبيح! يا ابن آدم! لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف؛ لسارعت إلى مقته)

موضوع. أخرجه الرافعي في "تاريخ قزوين" (٣/ ٤) ، والديلمي (٤/ ٢٥٧-زهر الفردوس) من طريق داود بن سليمان الغازي: حدثني علي بن موسى الرضا.. (قلت: فساق إسناده عن آبائه عن علي رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ... فذكره.

قلت – أي الشيخ الألباني -: وهذا موضوع؛ آفته الغازي هذا، وهو شيخ كذاب كما تقدم مراراً.

لكن تابعه أحمد بن علي بن مهدي الرقي: حدثنا أبي: حدثنا علي بن موسى الرضا به.

أخرجه الديلمي، وكذا نظيف المصري في "الفوائد" (ق١٠٦/ ٢) ، ومن طريقه أبو نصر الغازي في "جزء من الأمالي" (ق٧٨/ ١) وزاد:

(تفعل الكبائر أو ترتكب الكبائر ثم تتوب إلي فأقبلك إذا خلصت نيتك، وأصفح عما مضى من ذنوبك، وأدخلك جنتي وأجعلك في جواري، سوءة (!) لإقامتك على قبيح فعالك)

لكن الرقي هذا وأبوه لم أعرفهما، ولعل أحدهما سرقه من الغازي؛ فإن لوائح الوضع والصنع على الحديث ظاهرة " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله.

والحديث أخرجه أيضا ابن عساكر في " معجم الشيوخ " (رقم/١٢٧٠) من الطريق الأولى الموضوعة، ويروى في كتب أخرى من نقل وهب بن منبه عن الكتب السابقة، وهو بذلك أشبه.

ثالثا:

أما الجزء الثالث من الحديث المذكور، وهو قوله:

(أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يُجالسني فليذكرني. أهل طاعتي أهل محبتي. أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي!)

فلم نجده مسندا ولا مأثورا في كتب أهل العلم، وأقدم من رأيناه ذكره هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (١٤/٣١٩) حيث قال:

" وقد جاء فى بعض الأحاديث:

(يقول الله تعالى: أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، أي محبهم، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب)

وذكر تكملته ابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " (١/١٩٤) من غير عزو لكتاب.

رابعا:

أما الجزء الأخير من الحديث، وهو قوله: (الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم)

فقد صح نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ) رواه مسلم (٢٦٨٧) .

وبالجملة، فالحديث ـ بهذا السياق ـ ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعض جمله قد روي مفرقا، كما ذكرنا في الجواب.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>