للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم الحديث المعلق

[السُّؤَالُ]

ـ[ما المقصود بالأحاديث المعلقة؟ وما هو الصحيح منها سواء في البخاري أو في مسلم؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الحديث المعلق هو ما حذف من بداية إسناده (أي من جهة المحدث المصنف – صاحب الكتاب-) راو واحد فأكثر.

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "نزهة النظر" (١٠٨-١٠٩) :

" ومن صور المعلق:

أن يحذف جميع السند، ويقال مثلا: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم.

ومنها: أن يحذف كل السند ولا يبقى إلا اسم الصحابي أو اسم الصحابي والتابعي.

ومنها: أن يحذف من حدَّثَه ويضيفه إلى من فوقه " انتهى بتصرف.

ثانيا:

كل حديث يذكر في الكتب محذوف الإسناد، ويرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون عزو إلى شيء من كتب السنة، فهو حديث معلق، فإن كان الحديث موصولا بالأسانيد في كتب السنة، أو كان المصنف الذي علقه قد وصله في مكان آخر من كتبه، فيظهر حينئذ أن تعليق من علقه إنما كان لأجل الاختصار، ووصفه بالتعليق لا يعني الحكم عليه بالضعف، وليس هو محل خلاف وبحث عند أهل العلم.

تجد ذلك كثيرا ظاهرا في صحيح الإمام البخاري:

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "النكت" (١/٣٢٥) :

" إن ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد، واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها، فإنه والحالة هذه إما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد " انتهى.

ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (١/١١٧) :

" وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضع آخر من كتابه، وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار " انتهى.

ثالثا:

للحكم على الحديث المعلق فإنه لا بد – كما هو الحال عند الحكم على أي حديث – من جمع طرق الحديث والبحث عن أسانيده؛ ولا يخلو حكمه بعد ذلك من الحالات التالية:

١- إن لم نقف له على سند في أي كتاب: فحينئذ فالأصل الحكم بالضعف على الحديث؛ وذلك للجهل بحال الرواة المحذوفين من السند، فقد يكون منهم الضعيف أو الكذاب.

مثاله: ما علقه الحافظ ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِن مُسلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبرِ أَخِيهِ كَانَ يَعرِفُهُ فِي الدُّنيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ، إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيهِ السَّلامَ)

فقد بحث أهل العلم عن هذا الحديث المعلق فلم يجدوه مسندا في كتاب، وكل من يذكره ينقله عن تعليق الحافظ ابن عبد البر، فهو في الأصل حديث ضعيف، إلا أن بعض أهل العلم صححه تبعا للحافظ ابن عبد البر الذي علقه وصححه.

٢- إذا وجدنا للحديث سندا موصولا في كتاب آخر من كتب السنة، فإننا حينئذ ننظر في السند، ونحكم عليه بحسب قواعد أهل العلم في نقد الأحاديث، كما أنه يمكن الاستعانة للحكم على الحديث المعلق بما فهمه العلماء من مناهج كتب السنة، وهذا بيان ذلك:

رابعا:

لبعض الأئمة مناهج في ذكر الحديث المعلق، وهذه المناهج إما أن ينص عليها الإمام نفسه، أو يعرفها من بعده من أهل العلم من خلال دراسة كتابه واستقراء أحاديثه.

ومن كلام أهل العلم في منهج البخاري في التعليق، نستطيع تقسيم معلقاته (والتي تصل إلى مائة وستين حديثا معلقا) إلى قسمين:

الأول: ما علقه بصيغة الجزم، مثل قال، رَوَى ونحو ذلك:

فحكم هذه المعلقات هو الصحة أو الحسن، لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنده، بل منها ما هو على شرطه وإنما علقه لأنه أخذه مذاكرة أو إجازة.

ويستثني العلماء من هذه القاعدة حديثا واحدا فقط، وهو ما علقه في كتاب الزكاة (٢/٥٢٥) :

(وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب: خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة)

قالوا: فهذا إسناده إلى طاوس صحيح، إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ.

الثاني: ما علقه بصيغة التمريض: مثل: رُوِيَ، يُذكَر ونحوها.

فهذا قد يكون فيه الصحيح، وقد يكون فيه الحسن، ويكون علقها لأنه رواها بالمعنى.

كما قد يكون فيه الضعيف ضعفا يسيرا: وقد يبين ضعفه بقوله عقبه: (لم يصح) .

(ملخصا من كتاب "النكت" للحافظ ابن حجر (١/٣٢٥-٣٤٣) ، "تدريب الراوي" للسيوطي (١/١١٧-١٢١)

أما صحيح مسلم:

فإن جميع ما فيه من المعلقات يصل فقط إلى خمسة أحاديث، يرويها الإمام مسلم مسندة متصلة من طريق، ثم يعلقها عقبه من طريق أخرى غير الطريق التي أسندها، لغرض علمي يريده الإمام مسلم، وقد جمعها الشيخ رشيد الدين العطار في رسالة مطبوعة، وبين وصلها وأسانيدها الصحيحة.

وليس في صحيح مسلم – بعد المقدمة – حديث معلق لم يصله من طريق أخرى إلا حديث واحد: قال مسلم في حديث رقم (٣٦٩) :

وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول:: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث ابن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهم:

(أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن نَحوِ بِئرِ جََلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَلَم يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ حَتَّى أَقبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجهَهُ وَيَدَيهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ) وانظر "النكت" للحافظ ابن حجر (١/٣٤٦-٣٥٣)

وقد وجد هذا الحديث مسندا متصلا من طريق الليث بن سعد أيضا عند البخاري في صحيحه (٣٣٧) وأبو داود (٣٢٩) وغيرهما.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>