للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما صحة حديث: من زار قبري بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن زيارة قبره بعد موته كزيارته وهو على قيد الحياة ولهذا عندما نزور قبره في المدينة لا يعد حراما أن نتحدث إليه كما لو كان حيا وأن نطلب منه الشفاعة لنا عند الله يوم الحساب، لكني قلق من أن يكون هذا من الشرك في شيء.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

روى الدارقطني في سننه (٢/٢٧٨) بإسناده عن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.. الحديث " وهذا حديث حكم عليه كثير من علماء الحديث بالبطلان وأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فممن حكم عليه بذلك الحافظ الذهبي في لسان الميزان (٤/٢٨٥) عند ترجمته لأحد رواته وهو هارون بن أبي قزعة فقال الذهبي: هارون بن أبي قزعة المدني عن رجل " عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم " قال البخاري: لا يتابع عليه.

وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (٦/٢١٧) : قال الأزدي: هارون أبوقزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل. قلت: (أي الحافظ) : فتعين أنه الذي أراد الأزدي وقد ضعفه أيضا يعقوب بن شيبة..

وقد ذكره الحافظ ابن حجر أيضا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (٢/٢٦٦) وقال: وفي إسناده الرجل المجهول. ومقصود الحافظ بالرجل هو رجل من آل حاطب.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص١٣٤) عن الحديث: إن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته، وكان مؤمنا به، كان من أصحابه، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه، المجاهدين معه. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " أخرجاه في الصحيحين. والواحد من بعد الصحابة لايكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة؛ كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين، بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه. وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه، والسفر إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه هو مستحب، والسفر إلى الكعبة للحج فواجب. فلو سافر أحد السفر الواجب والمستحب لم يكن مثل واحد من الصحابة الذين سافروا إليه في حياته، فكيف بالسفر المنهي عنه.

وقال أيضاً في (ص ١٣٣) : فإن أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة، لا يعتمد على شيء منها في الدين؛ ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئا منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما.

وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (رقم١٠٢١) عن الحديث: باطل. وذكر علل الحديث وهي الرجل الذي لم يسم وضعف هارون أبي قزعة وعلة ثالثة وهي الاختلاف والاضطراب ثم قال الشيخ: وبالجملة فالحديث واهي الإسناد.

وقال أيضا في الضعيفة رقم (٤٧) : يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى، وعليهم، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحل والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد ". والمستثنى منه في الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجداً أو قبراً أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة قال (في الحديث له) :

" فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطّور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تُعْمل المُطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح.

فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شدّ الرّحْل لزيارة قبر ما، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال:

وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. انتهى

والخلاصة أنّ السّفر بنية زيارة القبر النبوي بدعة وحرام لأجل الحديث الوارد في النهي عن شد الرّحال إلى بقعة للعبادة غير المساجد الثلاثة، وأمّا زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لمن كان بالمدينة فهو أمر صحيح ومشروع وكذلك السّفر بنية الصّلاة في المسجد النبوي قربة وطاعة وعبادة لله تعالى وإنما يقع في الخطأ والإشكال من لم يفهم الفرق بين ما هو مشروع وما هو ممنوع والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>