للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كيف يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[كيف يمكن أن يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم، وهو نجس؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الدم إنما يُحكَم بنجاسته إذا سفح وخرج، أما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس بنجس.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

" لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّمَ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ يَكُونُ نَجِسًا، فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَنْجِيسِهِ وَلَا يُغْنِي الْقِيَاسُ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرَ وَبَرَزَ بِاتِّفَاقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَتِهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّجِسَ هُوَ الْمُسْتَقْذَرُ الْمُسْتَخْبَثُ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَثْبُتُ لِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا مَوَاضِعَ خَلْقِهَا فَوَصْفُهَا بِالنَّجَاسَةِ فِيهَا وَصْفٌ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّ خَاصَّةَ النَّجِسِ وُجُوبُ مُجَانَبَتِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذَا مَفْقُودٌ فِيما فِي الْبَدَنِ مِنْ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا.

وهذه الدِّمَاء الْمُسْتَخْبَثَة فِي الْأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تَقُومُ حَيَاتُهُ إلَّا بِهَا، حَتَّى سُمِّيَتْ نَفْسًا، فَالْحُكْمُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ أَحَدَ أَرْكَانِ عِبَادِهِ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَوْعًا نَجِسًا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ.

كما أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِدَلِيلِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الدِّمَاءِ الْمُسْتَخْبَثَةِ شَيْءٌ مِنْ أَدِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَخَصَائِصِهَا " انتهى بتصرف يسير.

"مجموع الفتاوى" (٢١/٥٩٨-٦٠٠)

وقال ابن القيم رحمه الله:

" إنما تصير الفضلة بولا وغائطا إذا فارقت محلها، فحينئذ يحكم عليها بالنجاسة، وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث، وإنما يصير خبيثا بعد قذفه وإخراجه وكذلك الدم إنما هو نجس إذا سفح وخرج، فأما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس بنجس " انتهى.

"بدائع الفوائد" (٣ / ٦٤١) .

ثانيا:

إذا افترضنا أن الدم نجس وهو في محله، قبل خروجه من بدن الإنسان أو الحيوان؛ فالمني طاهر وإن تولّد منه، وذلك لأنه استحال؛ أي تحول عن صفات الدم الأصلية، إلى صفات أخرى، فطهر بهذه الاستحالة؛ والعبرة هنا ليست بالأصل الذي تحول عنه، وإنما العبرة بصفاته التي هو عليها وقت الحكم عليه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَالَ وَتَبَدَّلَ. وَقَوْلُهُمْ: الِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ. قُلْنَا: مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الْفَتْوَى الطَّوِيلَةِ الْعَرِيضَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا وَتَحْوِيلِهَا خَلًّا: طَهُرَتْ. وَكَذَلِكَ تَحْوِيلُ الدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ، بَلْ أَقُولُ: الِاسْتِقْرَاءُ دَلَّنَا أَنَّ كُلَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِتَحْوِيلِهِ وَتَبْدِيلِهِ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ، مِثْلُ جَعْلِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَالدَّمِ مَنِيًّا، وَالْعَلَقَةِ مُضْغَةً، وَلَحْمِ الْجَلَّالَةِ الْخَبِيثِ طَيِّبًا، وَكَذَلِكَ بَيْضُهَا وَلَبَنُهَا، وَالزَّرْعُ الْمَسْقِيُّ بِالنَّجِسِ إذَا سُقِيَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ يَزُولُ حُكْمُ التَّنْجِيسِ وَيَزُولُ حَقِيقَةُ النَّجِسِ وَاسْمُهُ التَّابِعُ لِلْحَقِيقَةِ، وَهَذَا ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَيُبَدِّلُهَا خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، وَلَا الْتِفَاتَ إَى مَوَادِّهَا وَعَنَاصِرِهَا"

"مجموع الفتاوى" (٢١ / ٦٠٠-٦٠١)

وقال ابن القيم رحمه الله:

" الطيب إذا استحال خبيثا صار نجسا، كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا؟ والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث، والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل بل بوصف الشيء نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما " انتهى.

"إعلام الموقعين" (٢ / ١٤) .

وينظر حول طهارة المني: جواب السؤال رقم: (٢٤٥٨) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>