للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ختان البنات وإنكار بعض الأطباء له

[السُّؤَالُ]

ـ[نسمع الآن من كثير من الأطباء إنكار عملية الختان للبنات، وأن هذا مضر بها جسديا ونفسيا، وأن الختان عادة من العادات الموروثة وليس له أصل في الشرع. فما رأيكم في هذا؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

ليس الختان عادة موروثة كما يدعي البعض، وإنما هو شريعة ربانية اتفق على مشروعيتها العلماء، ولم يقل عالم واحد من علماء المسلمين – فيما نعلم - بعدم مشروعية الختان.

ودليلهم في هذا الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تثبت مشروعيته، منها:

١- ما رواه البخاري (٥٨٨٩) ومسلم (٢٥٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) . والحديث يشمل ختان الذكر والأنثى.

٢- وروى مسلم (٣٤٩) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) .

فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الختانين؛ أي ختان الزوج وختان الزوجة؛ فدل ذلك على أن المرأة تختتن كما يختتن الرجل.

٣- وروى أبو داود (٥٢٧١) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُنْهِكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ) غير أن هذا الحديث قد اختلف العلماء فيه، فضعفه بعضهم وصححه آخرون. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

ومشروعية الختان للإناث ثابتة بالأحاديث الصحيحة المتقدمة، وليست بهذا الحديث المختلف فيه.

إلا أن العلماء قد اختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال:

القول الأوَّل: أنه واجب على الذكر والأنثى، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية رحمهم الله جميعاً.

قال النووي رحمه الله في "المجموع" (١/٣٦٧) : " الختان واجب على الرجال والنساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف، كذا حكاه الخطَّابيُّ، وممن أوجبه أحمد ... والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء " انتهى.

وانظر: "فتح الباري" (١٠ / ٣٤٠) ، "كشاف القناع": (١ / ٨٠) .

القول الثاني: أنَّ الختان سنَّةٌ في حقِّ الذكر والأنثى، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد.

قال ابن عابدين الحنفي رحمه الله في حاشيته: (٦ / ٧٥١) : " وفي كتاب الطهارة من السراج الوهاج: اعلم أن الختان سنة عندنا – أي عند الحنفية - للرجال والنساء " انتهى.

وانظر: "مواهب الجليل" (٣/٢٥٩) .

القول الثالث: أنَّ الختان واجب على الذكور، مكرمةٌ مُستحبَّةٌ للنساء، وهو قول ثالث للإمام أحمد، وإليه ذهب بعض المالكيَّة كسحنون، واختاره الموفق ابن قدامة في المغني.

انظر: " التمهيد " (٢١ / ٦٠) ، "المغني" (١ / ٦٣) .

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (٥/١١٣) :

" الختان من سنن الفطرة، وهو للذكور والإناث، إلا أنه واجب في الذكور، وسنة ومكرمة في حق النساء " اهـ.

وبهذا يتبين أن فقهاء الإسلام اتفقوا على مشروعية الختان للرجل والمرأة، بل ذهب كثير منهم إلى أنه واجب عليهما، ولم يقل أحد منهم بعدم مشروعيته أو كراهته أو تحريمه.

ثانياً:

وأما إنكار بعض الأطباء للختان، ودعواهم أنه مضر جسدياً ونفسياً!!

فهذا الإنكار منهم غير صحيح، ونحن – المسلمين – يكفينا ثبوت الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى نمتثله، ونوقن بفائدته وعدم ضرره، فإنه لو كان مضراً لم يشرعه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد سبق في جواب السؤال (٤٥٥٢٨) ذكر بعض فوائد الختان الطبية للإناث، نقلاً عن بعض الأطباء.

ثالثاً:

نزيد هنا ذكر فتاوى لبعض العلماء المعاصرين، الذي تصدوا لهذه الحرب التي تشن على ختان الأنثى بدعوى أنه مضر صحيا بها.

قال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق:

" ومن هنا: اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا ـ قول بمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى، إذا هو تم على الوجه الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً. . . "

ثم قال:

" وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات ـ موضوع البحث ـ من فطرة الإسلام، وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره، ولو كان طبيباً، لأن الطب علم، والعلم متطور، تتحرك نظرياته دائماً " انتهى باختصار.

وفي فتوى للشيخ عطية صقر -الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر- يقول:

" وبعد، فإن الصيحات التي تنادى بحُرمة ختان البنات صيحات مخالفة للشريعة؛ لأنه لم يرد نص صريح في القرآن والسنة ولا قول للفقهاء بحرمته فختانهن دائر بين الوجوب والندب، وإذا كانت القاعدة الفقهية تقول: حكم الحاكم برفع الخلاف فإنه في هذه المسألة له أن يحكم بالوجوب أو الندب، ولا يصح أن يحكم بالحرمة، حتى لا يخالف الشريعة التي هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد التي ينص دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. ومن الجائز أن يشرِّع تحفُّظاتٍ لحسن أداء الواجب والمندوب بحيث لا تتعارض مع المقرَّرات الدينية.

وكلام الأطباء وغيرهم ليس قطعيًّا، فما زالت الكشوف العلمية مفتَّحة الأبواب تتنفس كل يوم عن جديد يُغير نظرتنا إلى القديم " انتهى بتصرف يسير.

وجاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية (٦/١٩٨٦) : " ومن هذا يتبين مشروعية ختان الأنثى، وأنه من محاسن الفطرة وله أثر محمود في السير بها إلى الاعتدال , وأما آراء الأطباء عن مضار ختان الأنثى فإنها آراء فردية لا تستند إلى أساس علمي متفق عليه , ولم تصبح نظرية علمية مقررة , وهم معترفون بأن نسبة الإصابة بالسرطان في المختتنين من الرجال أقل منها في غير المختتنين، وبعض هؤلاء الأطباء يرمي بصراحة إلى أن يعهد بعملية الختان إلى الأطباء دون النساء الجاهلات , حتى تكون العملية سليمة مأمونة العواقب الصحية , على أن النظريات الطبية في الأمراض وطرق علاجها ليست مستقرة ولا ثابتة , بل تتغير مع الزمن واستمرار البحث , فلا يصح الاستناد إليها في استنكار الختان الذي رأي الشارع الحكيم الخبير العليم حكمته وتقويماً للفطرة الإنسانية , وقد علمتنا التجارب أن الحوادث على طول الزمن تُظهر لنا ما قد يخفى علينا من حكمة الشارع فيما شرعه لنا من أحكام , وهدانا إليه من سنن , والله يوفقنا جميعاً إلى سبل الرشاد " انتهى.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>