للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسيرة المسيح الدجال وأتباعه فيها؟

[السُّؤَالُ]

ـ[عندما نطالع حديث ظهور الدجال نجد أن جزيرة العرب والشام والعراق هي الأماكن التي ستشهد قوات المسلمين الذين سيتصدون للدجال، وأن الصالحين من أهل الشام والعراق سيستنصرون بالمهدي في أرض الحجاز. لكن لم أجد ذكرا لبلدان إسلامية أخرى مثل مصر والمغرب وخراسان والهند، فهل يمكن أن نعرف ماذا سيحدث للمسلمين في تلك البلدان؟ هل ارتدوا في ذلك الوقت عن الإسلام قبل ظهور الدجال؟ أم إن الدجال قد أهلكهم جميعا فلم يستطيعوا محاربته ولاقوا حتفهم على يديه؟ أم آمنوا واعتقدوا في الدجال وصاروا من جنده وأتباعه؟ ولقد ذكر أن كثيرا من أتباع الدجال هم من الأعراب ومن النساء ومن أهل فارس والترك والأعاجم، بسبب ضحالة معرفتهم. ولقد أخبرني شخص ما أيضا بأن أتباعه ليسوا من متحدثي اللغة العربية، لكني لا أجد دليلا على صحة قوله وثبوته، فهل صحيح هذا الأمر؟ وهل يعد هذا تحفيزا للآخرين لتعلم اللغة العربية؟ وهل سيكون من أتباع الدجال مَن هم على الفطرة نتيجة لقلة معرفتهم؟ يبدو أني أثقلت عليك بأسئلتي، لكن أود تبين أمري، وتصحيح رأيي.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

يمكن الجواب عن خروج الدجال وطريقه وأتباعه ضمن المسائل الواردة في السؤال في النقاط الآتية:

أولا:

بينت الأدلة الصحيحة أن خروج المسيح الدجال يبدأ من المشرق، وتحديدا من إقليم خراسان، بل بالأخص من أصبهان في إقليم خراسان، وهي من بلاد إيران اليوم:

عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ)

رواه الترمذي (٢٢٣٧) وقال: حديث حسن غريب، وحسنه الألباني.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ، عَلَيْهِمْ السيجان)

رواه أحمد (٢١/٥٥) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة.

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ) رواه أحمد (٤١/١٥) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

" يكون بدء ظهوره من أصبهان، من حارة يقال لها: اليهودية " انتهى.

" النهاية " (ص/٥٩)

ثانيا:

تنتقل هذه الفتنة - التي هي أكبر فتنة منذ خلق آدم إلى قيام الساعة – إلى أرجاء الأرض، والظاهر من الأحاديث أنها تعم الأرض، فقد جاء أنه لا تبقى مدينة إلا ويدخلها الدجال غير مكة والمدينة والمسجد الأقصى ومسجد الطور.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(إِنَّ الأَعْوَرَ الدَّجَّالَ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فِي زَمَانِ اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وَفُرْقَةٍ، فَيَبْلُغُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الأَرْضِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مِقْدَارُهَا، اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مِقْدَارُهَا - مَرَّتَيْنِ -)

رواه ابن حبان في " صحيحه " (١٥/٢٢٣) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن المنذر وهو ثقة. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " أخرجه البزار بسند جيد " انتهى. " فتح الباري ". وصححه الألباني في " صحيح الموارد " (١٥٩٨)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وأما متى يهلك ومن يقتله؟ فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة، ثم يقصد بيت المقدس فينزل عيسى فيقتله، أخرجه مسلم أيضا " انتهى.

" فتح الباري " (١٣/٩٢)

وانظر جواب السؤال رقم: (٣٢٦٦٥)

ثالثا:

يقول الشيخ مشهور حسن سلمان:

" دلت أحاديث وآثار كثيرة صحيحة على خروج الدجال من (خُراسان) و (أصبهان) ، وهبوطه (خوز) و (كرمان) - وهي جميعاً الآن في (إيران) -، وينزل قرية (كوثا) -وهي في نحو منتصف الطريق بين (المحاويل) و (الصويرة) ، وهي على (٢٦) كيلو متراً من الأولى، وتعرف اليوم بـ (تل إبراهيم) و (تل جبل إبراهيم) ؛ لوجود مرقد عليه قُبة في أعلى التل ينسب إلى إبراهيم - انظر: " بلدان الخلافة الشرقية " (ص ٩٤-٩٥) - وسمي بـ (خلة) بين العراق والشام، ويدخل الأردن، ويبدأ هلاكه بـ (عقبة أفيق) وهي قرية من حوران في طريق (الغور) ، والعامة تقول: (فيق) ، تنزل هذه العقبة إلى (الغور) وهو الأردن، وهي عقبة طويلة نحو ميلين. أفاده ياقوت في " معجم البلدان " (١/٢٣٣) ، ثم يتحول إلى فلسطين، ويتم هلاكه في مدينة (اللد) . ويسبقها - والله أعلم - إتيانه الحجاز، ونزوله بسبخة في المدينة - هي (سبخة الجرف) غربي جبل أحد -، وتفصيل ذلك حديثيّاً يطول، وأكتفي بالإحالة على المصادر ... " انتهى.

" العراق في أحاديث وآثار الفتن "

رابعا:

يتبع الدجال طوائف كثيرة من الناس يومئذ، وهم على أصناف:

١- الكفار عموما، فهم أكثر الناس فتنة به وبما يظهره الله على يديه من الخوارق.

٢- اليهود خاصة، حيث ورد أنه يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان.

٣- كثير من المسلمين الذين يفتنهم بالخوارق التي تظهر على يديه، وخاصة عوام المسلمين وجهلتهم من الأعراب والنساء والصغار.

يقول الدكتور يوسف الوابل:

" أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس، غالبهم الأعراب والنساء. روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة) وفي رواية للإمام أحمد: (سبعون ألفا عليهم التيجان) ، وجاء في حديث أبي بكر: (يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة) رواه الترمذي. قال ابن كثير: والظاهر والله أعلم أن المراد هؤلاء الترك أنصار الدجال. قلت – أي يوسف الوابل -: وكذلك بعض الأعاجم كما جاء وصفهم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر) . وأما كون أكثر أتباعه من الأعراب، فلأن الجهل غالب عليهم، ولما جاء في حديث أبي أمامة الطويل قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن من فتنته – أي الدجال – أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني! اتبعه فإنه ربك)

وأما النساء فحالهن أشد من حال الأعراب، لسرعة تأثرهن، وغلبة الجهل عليهن، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناة – واد في المدينة -، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه) مسند أحمد (٧/١٩٠) " انتهى.

" أشراط الساعة " (٣١١-٣١٢)

والذي يظهر من الأحاديث أن القلة هي التي تثبت على الإيمان، وأن أكثر أهل الأرض يومئذ هم من أتباع الدجال.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين من " الحلية " بسند حسن صحيح إليه قال: (لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل، وسبعة آلاف امرأة) وهذا لا يقال من قبل الرأي، فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب " انتهى.

" فتح الباري " (١٣/٩٢)

خامسا:

وقد لخص الحافظ ابن كثير قصة المسيح الدجال بعبارات جامعة يقول فيها:

" بدء ظهوره من أصبهان، من حارة منها يقال لها اليهودية، وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي، عليهم الأسلحة والتيجان، وهي الطيالسة الخضراء، وكذلك ينصره سبعون ألفاً من التتار، وخلق من أهل خراسان.

فيظهر أولاً في صورة ملك من الملوك الجبابرة، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية.

فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم، والطغام من الرعاعٍ والعوام، ويخالفه ويَرُدُّ عليه مَن هَدَى الله مِن عباده الصالحين وحزب الله المتقين.

يأخذ البلاد بلداً بلداً، وحصناً حصناً، وإقليماً إقليماً، وكورة كورة، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوماً يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف شهر.

وقد خلق الله تعالى على يديه خوارق كثيرة يضل بها من يشاء من خلقه، ويثبت معها المؤمنون فيزدادون بها إيماناً مع إيمانهم، وهدى إلى هداهم.

ويكون نزول عيسى بن مريم مسيح الهدى في أيام المسيح الدجال مسيح الضلالة، على المنارة الشرقية بدمشق، فيجتمع عليه المؤمنون ويلتف به عباد الله المتقون، فيسير بهم المسيح عيسى بن مريم قاصداً نحو الدجال، وقد توجه نحو بيت المقدس، فيدركهم عند عقبة أفيق، فينهزم منه الدجال، فيلحقه عند مدينة باب لد، فيقتله بحربته وهو داخل إليها، ويقول إن لي فيك ضربة لن تفوتني، وإذا واجهه الدجال ينماع كما يذوب الملح في الماء، فيتداركه فيقتله بالحربة بباب لدّ، فتكون وفاته هناك لعنه الله، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه " انتهى.

" النهاية " (ص/٥٩)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>