للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اشترطوا عليه الدعاء الجماعي وعدم قبض اليدين فهل يؤمهم أم يتركهم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[عُرض عليَّ أن أكون إمام أوقات، وخطيب جمعة في البلد الذي أعيش فيه، واشترطوا عليَّ أن أدعو بالناس جهراً بعد كل صلاة، وأن لا أقبض يدي في الصلاة، مع العلم أنني الوحيد الذي أدرس العلوم الشرعية في البلد، فهل أوافق أو أرفض؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نشكر لك أخي السائل حرصك على الخير، وتطبيق السنَّة، واجتناب ما يخالفها، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه.

ثانياً:

ينبغي أن نفرق بين ما أجمع أهل العلم على أنه بدعة منكرة، وما اختلف فيه أهل العلم، كوضع اليدين في حال القيام في الصلاة، أو الدعاء بعد الصلاة، أو القنوت في صلاة الفجر كل يوم ... إلخ.

فيشدد في الإنكار في النوع الأول (ما أجمع العلماء على بدعيته) ، ويكون الإنكار في النوع الثاني (ما اختلف العلماء على بدعيته) بدرجة أقل، وقد لا يُنكر من الأصل، ويسكت الإنسان عنه، لقوة الخلاف فيه.

وانظر جواب السؤال رقم (٧٠٤٩١) ، لتعرف الفرق بين المسائل التي يُنكر على المخالف فيها، والتي لا ينكر عليه فيها.

وينبغي أن نعلم أيضاً أن الشرع جاء بتحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها.

فعند حصول تعارض بين تحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر إلى الأهم منهما، وتراعى بالتقديم.

وعلى هذا؛ فقد جاءت السنة بوضع اليدين على الصدر في حال القيام في الصلاة، وجاءت السنة بالجهر بالذكر عقب الصلاة المفروضة، يجهر كل مصلٍّ بمفرده، ثم إن دعا بعد هذه الأذكار فإنما يدعو سراً بمفرده.

فما يدعونك إليه مفسدة، ومخالف للسنة.

فهل ترفض إمامتهم في الصلاة حتى لا تقع في مخالفة السنة، وترتكب هذه المفسدة؟ أو تقبل؟

الجواب على هذا أن يقال:

إن كان رفضك للإمامة سيترتب عليه أن يأتي إمام هو أقدر منك على إلزام هؤلاء بالسنة وتعليمها لهم، ولا يقع في مخالفة السنة، فإنك ترفض ذلك.

أما إن كان رفضك سيعني أن يأتي إمام جاهل يرتكب هذه المخالفات ويزيد عليها أضعافها، ولا يُعَلِّم الناس السنة، ولا يلتزم بها، بل قد يحارب السنة وأهلها، جهلاً منه أو اتباعاً لهواه، فلا ينبغي لك أن تتردد في قبول إمامة هؤلاء ولو ألزموك بهذه المخالفات، لأن هذا سيكون أقل مفسدة مما لو رفضت.

وقد سبق أن الشرع جاء بدفع المفاسد وتقليلها، ثم إذا حصل تآلف بينك وبينهم فيما بعد، فإنك تسعى في تعليمهم السنة، والأخذ بأيديهم إليها شيئاً فشيئاً.

ولتنقل لهم أقوال بعض العلماء الذين يعظمونهم في إنكار ما تريد إنكاره من البدع، على أن يكون ذلك بالتدريج حتى لا ينفر الناس منك.

وهذه أقوال لبعض أهل العلم في ترك الإمام ما يرى أنه سنة مستحبة تأليفاً لقلوب المأمومين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن. مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة. كالمغرب: كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز. والثالث: أن الأمرين جائزان كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وهو الصحيح. وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه) فترك الأفضل عنده: لئلا ينفر الناس.

وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن" انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٢٢/٢٦٨) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟ .

فأجاب:

"نعم، إذا كان بين أناس لا يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين: فالأولى أن لا يفعل؛ تأليفاً لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير، وحتى يعلمهم، ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام يرون أنه هو الدين، وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمراً مستحبّاً، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق، وخلاف، وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، قال: (لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة" اتهى.

" فتاوى الشيخ ابن باز " (٢٩ / ٢٧٤، ٢٧٥) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>