للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدعاء في الصلاة بتيسير الصداقة مع رجل معين

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز لي الدعاء في الصلاة المفروضة بأمر من أمور الدنيا، مع تحديد هذا الأمر بالاسم، كأن أقول: " اللهم اجعل فلان بن فلان صديقا لي "؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا حرج من الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة على الصحيح من قولي أهل العلم، وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية وبعض الحنابلة، كأن يسأل الله التوفيق في الدراسة أو الزواج أو يسأله تيسير عمل معين أو شفاء صديق أو قريب أو تيسير صحبة صالحة ونحو ذلك.

والدليل على ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره: (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) رواه البخاري (٥٨٧٦) ومسلم (٤٠٢) .

جاء في "المدونة" (١/١٩٢) :

" قال مالك: ولا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه في المكتوبة، حوائج دنياه وآخرته، في القيام والجلوس والسجود " انتهى.

وقال النووي في "المجموع" (٣/٤٥٤) :

" مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها (يعني: الصلاة) بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا، وله – أن يقول -: اللهم ارزقني كسبا طيبا، وولدا، ودارا، وجارية حسناء يصفها، و: اللهم خلص فلانا من السجن، وأهلك فلانا، وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا.

وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق.

وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن.

واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء)

فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً.

وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه) و (ما أحب) و (ما شاء)

وفى رواية أبى هريرة رضي الله عنه: (ثم يدعو لنفسه ما بدا له) قال النسائي: إسناده صحيح.

وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري ومسلم.

وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) وهؤلاء قبائل من العرب.

والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة " انتهى بتصرف واختصار.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (٣/٢٨٣) :

" وظاهر كلام المؤلِّف – يعني: موسى الحجاوي رحمه الله - أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول: اللَّهُمَّ ارزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهمَّ ارزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني سيارة مريحة، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه.

لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ.

والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد) ويقول: (أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: (ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا.

وقد جاء في الحديث عن الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجته كلها حتى شِسْعَ نَعْلِه) وشِسْع النَّعل: يتعلَّق بأمور الدُّنيا.

فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى.

فيجوز أن تدعو في صلاتك المفروضة أو النافلة بتيسير صحبة الإخوان الصالحين، والأصدقاء الخيرين، ولو كان الدعاء بتعيين الأسماء.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>