للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصلاة بثوب نصف كُم وحاسر الرأس

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا أصلي في قميص نصف كم وحاسر الرأس، والمصلون في مسجدنا يعترضون على ذلك، وقد قيل لي: إنه نتيجة للملابس التي أرتديها وعدم اتباعي للسنة، فإني سأخسر بعض الثواب، ما هو اللباس اللائق للصلاة حسب سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أمر الله تعالى المصلي أن يتجمل ويتزين للصلاة فقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/٣١.

والتزين للصلاة أمرٌ زائد على ستر العورة، ولذلك أمرت المرأة أن تستر رأسها في الصلاة، مع أنها يجوز لها كشفها أمام المحارم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

" وأما التزين للصلاة فأمرٌ زائد على ستر العورة، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) أنزله الله سبحانه لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ... وكل محل للسجود فهو مسجد، وهذا يدل على أن السترة للصلاة والطواف أمر مقصوده التزين لعبادة الله، ولذلك جاء باسم الزينة لا باسم السترة ليبين أن مقصوده أن يتزين العبد لا أن يقتصر على مجرد الاستتار.

وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله الصلاة حائض إلا بخمار) ... .

وأما الإجماع: فقال أبو بكر بن المنذر: أجمع أهل العلم على أن على المرأة الحرة البالغة أن تخمر (أي تغطي) رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة، وكذلك حكى غيره الإجماع على اشتراط السترة في الجملة " انتهى.

"شرح العمدة" (٤/٢٥٨، ٢٥٩) باختصار.

ثانياً:

إذا عُلِم هذا: فإن على المصلي أن يأخذ زينته للصلاة، وتختلف هذه الزينة من بلاد إلى أخرى بحسب عرفهم، ومنه ما جاء في السؤال، وهو الصلاة في ثوب " نصف كُم " و " الصلاة حاسر الرأس " فإذا كان عرف أهل البلاد أن أكمل الزينة هو تغطية الرأس ولبس ثوب " كم طويل ": فإن الدخول في الصلاة على الهيئة الواردة في السؤال: خلاف ما أمر الله تعالى - وإن كانت الصلاة صحيحة - أما إن كان عُرف أهل البلاد في اللباس هو مثل ما جاء في السؤال، فلا حرج من الدخول في الصلاة على هذه الكيفية.

وينبغي أن يُعلم أن الحكم يختلف أيضاً باختلاف الثوب نفسه، فقد يكون الثوب ذو الكم القصير جرت العادة في بعض البلاد بلبسه، والتزين به، ويذهب به الرجل – مثلاً – إلى العمل ونحو ذلك، فهذا لا بأس من الصلاة فيه، وقد يكون هذا الثوب قد جرت العادة بأنه ليس من لباس الزينة، بل يلبسه الرجل في بيته فقط، أو عند النوم فقط، فمثل هذا لا ينبغي الصلاة فيه.

وهذه فتاوى أهل العلم، وفيها بيان القاعدة السابقة، وهي أن هذا الحكم تبع للعادة في كل بلد.

١. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: إمام يصلي بالناس وليس على رأسه غطاء فما الحكم في هذا؟

فأجاب:

" لا حرج في ذلك؛ لأن الرأس ليس من العورة، وإنما الواجب أن يصلي بالإزار والرداء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) لكن إذا أخذ زينته واستكمل لباسه كان ذلك أفضل؛ لقول الله جل وعلا: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، أما إن كان في بلاد ليس من عادتهم تغطية الرأس، فلا بأس عليه في كشفه " انتهى.

"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (١٠/٤٠٥، ٤٠٦) .

٢. وسئل أيضاً رحمه الله: هل يجوز الصلاة بدون عمامة؟ وهل يجوز للإمام الذي يصلي بالناس أن يصلي بدون غترة؟ وهل تجزئ الطاقية؟

فأجاب:

" الصلاة بغير عمامة لا حرج فيها؛ لأن الرأس ليس بعورة، ولا يجب ستره في الصلاة، سواء كان المصلي إماماً أو منفرداً أو مأموماً، ولكن إذا لبس العمامة المعتادة كان أفضل، ولاسيما إذا صلى مع الناس؛ لقول الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وهي من الزينة.

ومعلوم أن المحرمين من الذكور يصلون كاشفي الرؤوس؛ لكونهم ممنوعين من سترها حال الإحرام، فعلم بذلك أن كشف الرأس في الصلاة لا حرج فيه " انتهى.

"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (١٠/٤٠٦) .

٣. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" وقد ورد عن ابن عمر أنه قال لمولاه نافع: " أتخرج إلى الناس حاسر الرأس؟ قال: لا، قال: فالله عز وجل أحق أن يستحيى منه "، وهو يدل على أن الأفضل ستر الرأس، ولكن إذا طبقنا هذه المسألة على قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/٣١، تبين لنا أن ستر الرأس أفضل في قوم يُعتبر ستر الرأس عندهم من أخذ الزينة، أما إذا كنَّا في قوم لا يُعتبر ذلك من أخذ الزينة: فإنا لا نقول: إن ستره أفضل، ولا إن كشفه أفضل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه كان يصلي في العمامة " والعمامة ساترة للرأس " انتهى.

"الشرح الممتع" (٢/١٦٦) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>