للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يصلي، ويشكون في أنه يعمل بالدعارة؟!!

[السُّؤَالُ]

ـ[اكتشفت أن زوج أختي يكسب ماله عن طريق الحرام، فهو يُحضر فتيات من بلده إلى دولة خليجية ليعملوا هناك بالحرام، حتى إنه يمارس الحرام معهن، وهو اعترف لزوج أختي الثانية بذلك، أخبرتُ والدي ولكنه لم يصدق تعليلا بأن ذلك مستحيل، فهو إنسان جيد، وعلَّل بأن زوج أختي الثاني غيور، لذلك يلفق الأكاذيب، ولكني - والله أعلم - أصدقه لأنه دائما غائب عن البيت، وخاصة مساء، حتى إن أختي أخبرتني ببعض الأشياء، وأنها تشك بخيانته لها، لكنه يعود ليلفق الكذب، وتصدقه، هي حامل الآن، وعندها طفلة، ولم أخبرها بما سمعت عنه، أرجوك أريد معرفة واجبي نحو أختي، فهي من وقت الذي تزوجته من سنتين تقريبا وهي مريضة نفسيّاً، وهو إنسان لا يصلي، ولا يخشى الله، والله أعلم. أرجوك دلني ماذا يجب عليَّ فعله، هل يجب أن أخبرها بما سمعت، أم علي كتم الموضوع؟ فأنا أدعو الله دائما أن يهديه. إن أكثر ما يقلقني أن يصاب بمرض خطير، وينقله لها، وكذلك أخشى على أطفالها من الضياع.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الذي ننصحك بفعله ـ أختنا الكريمة ـ في هذه المشكلة أمور ثلاثة: التأكد من فعل زوج أختك، والنصح له إن ثبت ما فعله من منكرات، والسعي في فسخ النكاح إن أصرَّ على فعله، سواء فعل الفاحشة أم ترك الصلاة.

أما الأمر الأول:

فليُعلم أن الأصل في المسلم البراءة، ولا يجوز اتهامه بما ليس فيه، وإلا تعرَّض المتهِّم للإثم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ ٥٨.

ويجب التأكد من صحة خبر المخبِر قبل أن يبني عليه السامع حكماً، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات/ ٦.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:

وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجرداً؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً، ووقوعاً في الإثم، فإن خبره إذا جُعل بمنزلة خبر الصادق العدل: حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبيُّن، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه: عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه: كذِّب، ولم يعمل به، ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا.

" تفسير السعدي " (ص ٧٩٩) .

فالأصل عدم الاتهام، والأصل البراءة، وقد يكون الكذب ممن زعم أنه اعترف له، ولا يُستبعد هذا، فإن تبين صدق المخبِر، وصحة واقع حاله: فإننا ننتقل إلى:

الأمر الثاني:

وهو: النصح والوعظ.

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) رواه مسلم (٥٥) .

وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري (٥٠١) ومسلم (٥٦) .

وعلى أن تكون النصيحة بالتي هي أحسن لتقويم المعوج، وتصحيح مساره.

قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ْضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/ ١٢٥.

وأولى ما تنصحونه به هو الصلاة، فلا بدَّ أن يعلم أن ترك الصلاة كفر مخرج من ملة الإسلام، وأنه إن مات وهو تارك للصلاة مات ميتة جاهلية، ومات على الردة، ثم يُنصح بعد ذلك بترك أفعاله المحرمة من الفواحش والمنكرات مع تلك الخادمات، فعلاً للفاحشة معهن، والإعانة في استقدامهن لغيره، بل إن استقدام الخادمات أصلا ولو للعمل فيه مفاسد كثيرة، وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (٢٦٢٨٢) .

فإن تبين صدق القول فيه، ولم يستجب للنصح وأصرَّ على ترك الصلاة وفعل المنكرات: فإن ما عليكم فعله هو:

الأمر الثالث:

وهو التفريق بينه وبين زوجته بفسخ النكاح؛ لأن تارك الصلاة مرتد، ويفسخ عقده على المسلمة؛ ولأنه لا يحل للعفيفة البقاء على عقد نكاحها مع زانٍ فاجر، وترك الصلاة موجب لفسخ النكاح، وأما فعله للمنكرات فليس بموجب للفسخ، لكن رضاها بأفعاله يجعلها شريكة له فيها، ومثله لا يؤتمن على ابنة ولا على زوجة، ولا يؤمن – كذلك – أن يتسبب في انتقال الأمراض المهلكة المعدية لها.

قال لشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، وإذا كان له زوجة: انفسخ نكاحه منها، ولا تحل ذبيحته، ولا يقبل منه صوم، ولا صدقة، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل، ولا يكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن مع المسلمين، وإنما يُخرج به إلى البر، ويحفر له حفرة يُرمس فيها، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي: فإنه لا يَحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه؛ لأن الصلاة على الكافر محرَّمة؛ لقوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) التوبة/ ١١٣؛ ولأن الله يقول: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ ٨٤.

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (١٢ / السؤال رقم ٢٦

وانظر أجوبة الأسئلة: (١٠٠٩٤) و (٢١٨٢) و (٥٢٠٨) .

غير أننا نعود ونذكرك أيتها السائلة الكريمة بعدم التسرع في الحديث بمثل ذلك عنه، أو نقله لأختك، وتكدير عيشها، وتخريب بيتها، من دون بينة شرعية، ولتكن غيرتنا على انتهاك حرمات الله أشد من خوفنا من انتقال الأمراض، أو أنفتنا من " الخيانة الزوجية "، واجتهدي في الدعاء له بالهداية، ولأختك بصلاح الحال، وأن يحفظها وذريتها من شره، ومن شر كل ذي شر.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>