للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والده يجحد وجوب الصلاة ويسب الصحابة فما حكمه وكيف يتعامل معه؟

[السُّؤَالُ]

ـ[الحمد لله الذي هدانا وأنعم علينا بنعمة الإسلام، أنا بدأت بالالتزام منذ أشهر قليلة، وأبي يحاربني في ذلك، أبي لا يصلي؛ لأنه لا يعترف أن الصلاة فرض، بل ويسب بعض الصحابة، ويتكلم عن السيدة عائشة، ويتكلم بالسوء عن الصالحين أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، ويشكك في أي حديث شريف، ويتحيز كثيراً للشيعة، ويعاملني أنا وأمي وإخوتي معاملة سيئة، بل ويهين أمي، ولا يدع أخي الصغير يذهب إلى المسجد بحجة المذاكرة، ويمنعني أن أتحدث إلى إخوتي في أمور الدين، ولا يحب أن ينصحه أحد، ولا يطيق سماع القرآن، ولا سماع البرامج الدينية، ويتهمها بالتضليل، وكلما يراني أشاهد برنامجاً دينيّاً يغيِّر القناة. فما هو حكمه في الشرع؟ وكيف أستطيع التعامل معه؟ مع العلم أنه أنا والحمد لله أعامله معاملة طيبة، وأدعو له، ولكنه يهينني، ويقول لإخوتي إنني إرهابي، ويشجعهم على سماع الأغاني، وعدم مشاهدة البرامج الدينية، وعلى عدم سماع كلامي. أرجو الرد على سؤالي، وجزاكم الله خيراً]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك في مصيبتك، ونسأله تعالى أن يهدي والدك قبل أن يأتيه أجله.

أما حكم والدك: فقد أتى بأفعال وأقوال يوجب بعضها كفره وخروجه من الملة، فكيف بها مجتمعة؟! ومن ذلك: تركه للصلاة حتى لو كان كسلاً، وجحده لفرضيتها، وهذان أمران يكفرانه، ويخرجانه من ملة الإسلام، أما الأول: فعلى الصحيح من أقوال أهل العلم في حال تركها كسلاً، وأما الثاني فبالاتفاق، ولكن لا خلاف في أن تارك الصلاة إن تركها جحوداً لفرضيتها أنه كافر خارج من ملة الإسلام.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:

أجمع العلماء على أن تارك الصلاة، الجاحد لوجوبها كافر، وأنه يقتل كفراً ما لم يتب.

" أضواء البيان " (٤ / ٣٣٥) .

ووالدك لم يترك الصلاة كسلاً، بل تركها جحوداً لفرضيتها، وإنه لو كان تركها كسلاً لكفر: فكيف وقد تركها جحوداً لها؟! .

وأما سبُّه لبعض الصحابة: فالظاهر أنه لا يستثني في سبه إلا بعض الصحابة! لا أنه يسبُّ بعضهم، والذي ظهر لنا من سؤالك أن والدك معتقد لمذهب الرافضة الخبيث، والذي يَحكم على الصحابة بالردة إلا عدداً قليلاً منهم، وهذا موجب لكفرهم؛ ومن لم يحكم بكفرهم من العلماء: فإنه يحكم بسجنهم حتى التوبة أو الموت.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

سب الصحابة على ثلاثة أقسام:

الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا: فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا: فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق.

الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر: يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.

الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم، كالجبن والبخل: فلا يكفر، ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الصارم المسلول " ونقل عن أحمد في (ص ٥٧٣) قوله: " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك: أُدب، فإن تاب، وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع ".

" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (٥ / ٨٣، ٨٤) .

ومن لوازم الطعن في الصحابة رضي الله عنهم: الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الإسلام، وفي رب العباد سبحانه وتعالى.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

إن سب الصحابة رضي الله عنهم ليس جرحاً في الصحابة رضي اله عنهم فقط، بل هو قدح في الصحابة، وفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شريعة الله، وفي ذات الله عز وجل:

- أما كونه قدحاً في الصحابة: فواضح.

- وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحيث كان أصحابه، وأمناؤه، وخلفاؤه على أمته من شرار الخلق.

وفيه قدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم.

- وأما كونه قدحاً في شريعة الله: فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل الشريعة: هم الصحابة، فإذا سقطت عدالتهم: لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة.

- وأما كونه قدحاً في الله سبحانه: فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق، واختارهم لصحبته، وحمل شريعته ونقلها لأمت‍هـ.

فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبرى على سب الصحابة رضي الله عنهم.

ونحن نتبرأ من طريقة هؤلاء الروافض الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم، ونعتقد أن محبتهم فرض، وأن الكف عن مساوئهم فرض، وقلوبنا - ولله الحمد - مملوءة من محبتهم؛ لما كانوا عليه من الإيمان، والتقوى، ونشر العلم، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول، أو عمل.

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (٨ / ٦١٦) .

ولذا فلا عجب أن يحكم علماء الإسلام بالزندقة على كل من ينتقص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر الهيتمي – حمه الله -:

قال إمام عصره أبو زرعة الرازي - من أجلِّ شيوخ مسلم -: إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله: فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به ألصق، والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق.

" الصواعق المحرقة " (٢ / ٦٠٨) .

وكذلك يقال في قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه كفر وردة.

وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (٩٥٤) .

ومن لم يسلم منه صحابة النبي صلى الله عليه فلن يسلم منه أئمة الهدى من بعدهم كالتابعين ومن تبعهم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبسبهم على الصحابة وطعنهم في دينهم فإنهم يحكمون على أنفسهم أنهم على دينٍ غير ديننا.

ثانياً:

أما عن كيفية التعامل مع والدك:

فلا بدَّ لك من سلوك طرق شتى في بيان الحق له، والسعي الحثيث في هدايته، ولا تيأس ولا تمل من هذا، فهو باعتقاده وأقواله وأفعاله قد خرج من الإسلام خروجاً كليّاً، وعليك تدارك الأمر بما تراه نافعاً له، ونوجهك إلى أمورٍ، منها:

١. وجوب التبرؤ من اعتقاده وأقواله وأفعاله.

٢. التلطف في إيصال الحق له.

٣. تنويع طريق الدعوة وبيان الحق، فالمناظرات التي جرت بين أهل السنة وبين الرافضة كانت قاصمة ظهر لهم، فيمكنك الاستعانة بها، لتقنعه برؤيتها وسماعها، وكذا يوجد من الأشرطة السمعية والكتب ما يكفي لدعوة هؤلاء المنتقصين من الصحابة، وما يُرد به على شبهاتهم.

٤. السعي نحو عدم تأثير والدك على أمك وأشقائك، حتى لا تتوسع دائرة الكفر والردة.

٥. الدفاع عن نفسك بأخلاقك وسلوكك الحسن معه ومع أهل بيتك.

٦. عدم اليأس من هدايته، والاستمرار في دعوته، عن طريقك مباشرة، وعن طريق غيرك ممن يعرفهم ويثق بهم من أهل السنَّة.

٧. مداومة الدعاء له، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة.

سئل علماء اللجنة الدائمة:

كيف نعامل الرجل الذي يسب الأصحاب الثلاثة؟ .

فأجابوا:

صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة، وقد أثنى الله عليهم في كتابه، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ، إلى غير هذا من الآيات التي أثنى الله فيها على الصحابة، ووعدهم بدخول الجنة، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي من هؤلاء السابقين، وممن بايع تحت الشجرة فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لعثمان، فكانت شهادة له، وثقة منه به، وكانت أقوى من بيعة غيره للنبي صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة إجمالاً وتفصيلاً، وخاصة أبا بكر وعثمان وعليًّا، وبشَّر هؤلاء بالجنة في جماعة آخرين من الصحابة، وحذَّر من سبهم فقال: (لا تسبُّوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه) رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، - ورواه البخاري من حديث أبي هريرة -.

فمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شتمهم، وخاصة الثلاثة: أبا بكر وعمر وعثمان المسؤول عنهم: فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وعارضهما بمذمته إياهم، وكان محروماً من المغفرة التي وعدها الله مَن تابعهم واستغفر لهم ودعا الله ألا يجعل في قلبه غلا على المؤمنين.

ومِن أجل ذمّه لهؤلاء الثلاثة وأمثالهم: يجب نصحه، وتنبيهه لفضلهم، وتعريفه بدرجاتهم وما لهم من قَدم صدق في الإسلام، فإن تاب: فهو من إخواننا في الدين، وإن تمادى في سبهم: وجب الأخذ على يده، مع مراعاة السياسة الشرعية في الإنكار بقدر الإمكان، ومن عجز عن الإنكار بلسانه ويده: فبقلبه، وهذا هو أضعف الإيمان، كما ثبت في الحديث الصحيح.

" فتاوى إسلامية " (١ / ١٢) .

ونسأل الله أن يوفقك في مسعاك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدي والدك.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>