للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان يترك بعض الصلوات فهل يلزمه تجديد عقد النكاح

[السُّؤَالُ]

ـ[نحن في مجتمع يتهاون كثيراً في مسألة الصلاة، نشأت أصلي والحمد لله، ولكني لا أهتم إن صليت الظهر مثلاً في وقته أو قضاء مع العصر مثلاً، كما أنني تركت بعض الصلوات على مدار حياتي وزوجتي كذلك، وبعد الزواج استمر هذا الموضوع في بداية الأمر ثم عزمنا على أن نتوب إلى الله، ونحن الآن والحمد لله نحافظ على الصلاة في وقتها، ما يؤرقني ويشعرني بأن هذا العمل غير مثاب عليه هو قول بعض العلماء أمثال الشيخ ابن عثيمين وابن باز رحمهما الله بأن تارك الصلاة تكاسلاً وتهاوناً فهو كافر مرتد، واستندوا إلى ذلك بأدلة من القرآن والسنة، ومع أن هناك علماء أمثال الشيخ الألباني رحمه الله يقول إنه كفر دون كفر، ومع إحساسي بأن هذا الرأي صحيح، إلا أنني أخاف أن أكون على خطأ، وأريد أن آخذ برأي الشيخ ابن عثيمين حتى أقطع الشك في نفسي ولكن هذا الأمر يتطلب عدة أمور بعضها أقدر عليها والبعض الآخر لا وهي: ١- أغتسل أنا وزوجتي اغتسال الدخول في الإسلام وأن ننطق بالشهادتين، وهذا أمر مقدور عليه ٢- نحتاج إلى تجديد عقد الزوجية، لأنه يعتبر عقداً باطلاً. والسؤال هنا: كيف يتم هذا التجديد؟ وهل أنا بحاجة إلى ولي للزوجة وشهود؟ وكيف أقول لوالد زوجتي هذا الأمر وكيف أحضر الشهود للتجديد؟ إن هذا الأمر وقعه صعب جداً على والد الزوجة وربما يرفض هذه الفكرة أو يغضب طيلة حياته، وبالتالي فلن أستطيع أن أجدد العقد وتصبح المشكلة أصعب وأصعب، كما أنني لا أستطيع أن أتحقق إن كان الشهود مداومين على الصلاة من ساعة بلوغهم إلى يومهم هذا، وهل لو أخذت برأي الشيخ الألباني رحمه الله أعتبر مقصراً، وهل علي قضاء الفوائت السابقة والتي لم أعلم عددها، أم أكثر من السنن والنوافل، وكيف أقضيها، فهل من الممكن أن أصلي عصر هذا اليوم على سبيل المثال، ثم أصلي الفجر والظهر والعصر لأيام سابقة أم أصلي كل فرض فائت في وقته. أفيدوني جزاكم الله خيرا فإنني في حيرة شديدة تكاد تفتك بي، ولا أريد أعمالي الصالحة أن تذهب هباء، أو أن أموت كافراً والعياذ بالله.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الخلاف في حكم تارك الصلاة كسلا، خلاف معتبر عند أهل العلم، والذي تدل عليه الأدلة الصحيحة هو القول بكفره، وانظر شيئا من هذه الأدلة في الجواب رقم (٥٢٠٨) .

ثانيا:

إذا تاب تارك الصلاة، وصلَّى، عاد إلى الإسلام، ولا يحتاج أن يعيد الشهادتين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما من يترك الصلاة بعض الأوقات لا يقضيها ولا ينوي قضاءها أو يخل ببعض فرائضها ولا يقضيها ولا ينوي قضاءها فمقتضى ما ذكره كثير من أصحابنا أنه يكفر بذلك،....... ثم إذا صلى الأخرى صار مؤمنا كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر متعمدا حبط عمله) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الصلاة عمدا فقد برئت منه الذمة) " انتهى.

وقال أيضا: " وإذا صلى بعد الامتناع عاد بذلك إلى الإسلام من الردة، وصحت صلاته وإن كان الكافر الأصلي لا تصح صلاته قبل الشهادتين؛ لأن هذا كفره بترك الفعل، فإذا فعله عاد إلى الإسلام، كما أن من كُفره بترك الإقرار إذا أتى بالإقرار عاد إلى الإسلام.

فإن قيل: فالمرتد غير هذا لا يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين كيف ما كانت ردته، قيل: ذلك لأنه جاحد فلا بد أن يأتي بأصل كلمة الإقرار التي تتضمن جميع التصديق والاعتراف، وهذا معترف فيكفيه الفعل " انتهى.

وعليه فقولك: " وبهذا أظل كافراً ولا يقبل الله مني عملاً " غير صحيح، بل توبتك إلى الله تعالى، وأداؤك للصلاة، يرفع عنك الكفر، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ثالثا:

لا يلزمكما تجديد عقد النكاح إلا إذا كان العقد قد تم وأنتما أو أحدكما لا يصلي، فيلزم لتجديده حينئذ.

أما إذا حصل ترك الصلاة بعد العقد فلا يلزمك تجديده، وذلك لأنه إذا ارتد أحد الزوجين ثم رجع إلى الإسلام في فترة العدة، فهما على نكاحهما الأول، ولا يحتاجان إلى إعادة العقد، بل ذهب بعض العلماء إلى أنهما على نكاحهما الأول ولو رجع إلى الإسلام بعد انقضاء العدة، ما داما تراضيا على الرجوع، وهذا القول الثاني هو الصحيح، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٢١٦٩٠) .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم بقاء المرأة المتزوجة من زوج لا يصلي وله أولاد منها؟

فأجاب:

" إذا تزوجت امرأة بزوج لا يصلي مع الجماعة ولا في بيته فإن النكاح ليس بصحيح، لأن تارك الصلاة كافر، كما دل على ذلك الكتاب العزيز والسنة المطهرة وأقوال الصحابة، كما قال عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ".

والكافر لا تحل له المرأة المسلمة لقوله تعالى:: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) الممتحنة/١٠.

وإذا حدث له ترك الصلاة بعد عقد النكاح فإن النكاح ينفسخ إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام. وبعض العلماء يقيد ذلك بانقضاء العدة، فإذا انقضت العدة لم يحل له الرجوع إذا أسلم إلا بعقد جديد.

وعلى المرأة أن تفارقه ولا تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي ولو كان معها أولاد منه؛ لأن الأولاد في هذه الحال لا حضانة لأبيهم فيهم) انتهى من فتاوى أركان الإسلام ص ٢٧٩.

هذا إذا كان الترك للصلاة تركا كليا، وأما إن كان تركا لبعض الصلوات، فمن أهل العلم من لا يكفّر به، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين رحمه الله، ومنهم من يكفّر بترك الفريضة الواحدة عمدا حتى يخرج وقتها ووقت الصلاة التي تجمع إليها، كأن يؤخر الظهر حتى تغرب الشمس، لكن هذا التارك للفريضة إن عاد وصلى، قبل انقضاء العدة، عاد إلى الإسلام، واستمر على نكاحه.

ولا يفهم من سؤالك أن أحدا منكما ترك الصلاة مدة طويلة تستغرق زمن العدة، بل غاية الأمر هو ترك بعض الأوقات، ثم العودة إلى الصلاة، وهذا يعني بقاء عقد النكاح كما سبق.

فالذي يظهر لنا من سؤالك أنه لا يلزمك تجديد عقد النكاح وإعادته.

أولا: لأن ترككما للصلاة لم يكن تركا مطلقا، بل كان تركا لبعض الصلوات، وهذا لا يكون كفرا عند كثير من أهل العلم، حتى يترك الصلاة مطلقا.

ثانيا: لأن هذا الترك لبعض الصلوات ـ على فرض أنه كفر ـ يكون وقتا يسيرا لا تنقضي فيه العدة، فبالرجوع إلى الصلاة قبل انقضاء العدة لا يفسخ عقد النكاح ويبقى صحيحا كما كان قبل ترك الصلاة.

رابعا:

من ترك الصلاة، ثم تاب من ذلك، لم يلزمه قضاء ما فات من الصلوات، على القول الراجح، لكن ينبغي أن يكثر من النوافل والحسنات، لقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/٨٢

وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٩١٤١١) .

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>