للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم يستطع الصلاة قبل موته فهل يصلى عنه؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو حكم من مات في مرض ولم يستطع الصلاة لمدة شهر ونصف وفارق بعدها الحياة ولم يستطع الصلاة فيها نظراً لظروف مرضه الشديدة التي حالت دون الصلاة فهل يصح الصلاة عنه من خلال أهله أم لا وإن لم يصح هل هناك كفارة أم لا؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا تسقط عن أحد ما دام عقله معه، فمن استطاع أن يصلي قائما لزمه ذلك، وإلا صلى قاعدا، أو على جنب، أو يومئ إيماء، حسب استطاعته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (١١١٧) .

ومن صلى جالسا فإنه يومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع.

فإن عجز عن تحريك رأسه، فهل يومئ بعينه، أم تسقط عنه الصلاة، أم تسقط عنه الأفعال فقط دون الأقوال؟ الراجح: الثالث.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والراجح من هذه الأقوال الثلاثة: أنه تسقط عنه الأفعال فقط، لأنها هي التي كان عاجزا عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه؛ لأنه قادر عليها، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/١٦، فنقول: كَبِّرْ واقرأ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولا ولا يتكلم فماذا يصنع؟ الجواب: تسقط عنه الأقوال والأفعال، وتبقى النية، فينوي أنه في صلاة، وينوي القراءة، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود، هذا هو الراجح؛ لأن الصلاة أقوال وأفعال بنية، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النية، ولأن قولنا لهذا المريض: لا صلاة عليك قد يكون سببا لنسيانه الله، لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة لابد أن يقوم بها ولو بنية، خير من أن نقول: إنه لا صلاة عليه ". انتهى من "الشرح الممتع" (٤/٤٦٩) .

وبناء على ذلك، فالمسئول عنه إن وصل إلى مرحلة لا يمكنه فيها أداء الصلاة بوجه من الوجوه السابقة، فهو معذور، ولا شيء عليه.

وسواء كان معذورا أو غير معذور، فإن من ترك شيئاً من الصلوات المكتوبة لا يصلي عنه أحد، وبهذا قال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) رحمهم الله تعالى.

انظر: "الموسوعة الفقهية" (٢/٣٣٤)

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: توفيت والدتي بعد أن عانت من المرض رحمها الله كل معاناة، ومكثت عشرة أيام بدون صلاة، أوقات تنتابها غيبوبة، وأوقات تفيق، ولم تصل هذه الأيام. فهل أصلي عنها، أم ماذا أفعل لها؟ وهل تجوز الصلاة على روح الميت؟

فأجابوا: " لا يجوز أن تقضى الصلاة عن الميت؛ سواء تركتها بعذر أو بغير عذر، ولا أن يصلى بنية أن يكون ثواب الصلاة للميت؛ لأن الشرع لم يرد بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٩/٦٥)

وجاء فيها أيضا (٢٥/٢٥٧) : " إذا كان والدك حين مرضه يغيب وعيه ولا يعقل شيئا فإن الصلاة تسقط عنه، وهو ليس مكلفا في هذه الحالة؛ لأن مناط التكليف بالصلاة العقل، وقد زال عنه، أما إن كان لا يزول عنه وعيه ولا عقله، ولكن ترك الصلاة جهلا منه أنها تجب على مثله قدر استطاعته، فلعل الله أن يعفو عنه ويعذره بجهله ذلك، وعدم من يبين له الحكم الشرعي حتى مات - رحمه الله وعفا عنه، وفي كلتا الحالتين لا يجوز لك أن تصلي عن والدك شيئا من الصلوات؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد، والأصل أن الصلاة لا تدخلها النيابة، أما حجك وعمرتك عن والدك فذلك من البر به والإحسان إليه، وأن تتصدق عنه بين الحين والآخر، وأن تدعو له وتستغفر له وتصل رحمه وأصدقاءه وتحسن إليهم، فإن ذلك من البر بوالدك بعد موته، ولك الأجر والثواب الجزيل إن شاء الله على ما تبذله في سبيل ذلك " انتهى.

والحاصل أن هذا الميت لا يصلى عنه، وليس هناك كفارة لما تركه من الصلوات، وينبغي الدعاء له، والصدقة عنه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>