للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل العمل من الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن وقتها؟

[السُّؤَالُ]

ـ[إنني أعمل، وفي وقت لا يسمح لي بأداء صلاة الفجر وصلاة الظهر، هل يجوز لي أن أصليهما في وقت بعد العمل؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح قضاء الصلاة بعد خروج وقتها: النوم والنسيان، وليس القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة.

قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور / ٣٦ – ٣٨.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:

فهؤلاء الرجال وإن اتجروا , وباعوا , واشتروا: فإن ذلك لا محذور فيه، لكنه لا تلهيم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على (ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم , ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.

ولما كان ترك الدنيا شديداً على أكثر النفوس , وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوباً لها , ويشق عليها تركه في الغالب , وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك: ذكر ما يدعوها إلى ذلك , - ترغيباً وترهيباً – فقال: (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) من شدة هوله، وإزعاجه القلوب، والأبدان , فلذلك خافوا ذلك اليوم , فسهل عليهم العمل (يعني: العمل للآخرة) , وترك ما يشغل عنه.

" تفسير السعدي ".

وفي فرضية الصلاة وحكم وقتها قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء / ١٠٣.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:

أي: مفروضا في وقته، فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتاً لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم , وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم , وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، ودلَّ قوله {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} على أن الصلاة ميزان الإيمان , وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته , وتتم وتكمل.

" تفسير السعدي ".

وقال تعالى – متوعداً من أخَّر الصلاة عن وقتها لغير عذر -: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) مريم / ٥٩، ٦٠.

والغي: الخسران أو وادٍ في جهنم.

وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون / ٤، ٥.

قال ابن كثير:

عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) و (على صلاتهم دائمون) و (على صلاتهم يحافظون) فقال ابن مسعود: على مواقيتها، قالوا: كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذلك الكفر ...

وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ (فخلف مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلْقَوْن غيّاً) ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت.

" تفسير ابن كثير " (٣ / ١٢٨، ١٢٩) .

فلا يحل لك تأخير الصلاة عن وقتها بعذر العمل، فإن لم يمكنك أن تصلي الصلاة في وقتها بسبب العمل فعليك ترك هذا العمل، والبحث عن عمل غيره لا يكون سبباً في تضييع الصلاة، ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يعرِّض نفسه لوعيد ربه تبارك وتعالى، ولا أن يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا زائل.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>