للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تذكر أنه لم يصل الصبح وهو في صلاة الظهر

[السُّؤَالُ]

ـ[صليت الظهر وكانت قد فاتتني ثلاث ركعات وبعد أن أتممت ركعتين تذكرت أني لم أصل الفجر-كنت مريضًا-، ثم قطعت الصلاة بعد الركعة الثانية ونويتها فجرًا وبعد ذلك صليت الظهر؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

سيكون الجواب على هذا السؤال من خلال ثلاث نقاط:

أولاً: حكم الترتيب بين الصلوات الفائتة

ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أنه يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة عند قضائها، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته بعض الصلوات يوم الخندق قضاها مرتبة.

روى البخاري (٦٤١) ومسلم (٦٣١) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. وروى البخاري (٦٣١) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) . المغني (٢/٣٣٦) .

ثانياً: إذا نسي الترتيب فهل يسقط؟

فالجواب: نعم، يسقط وجوب الترتيب بالنسيان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (٢٠٤٣) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١٦٦٢) . وهو مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد رحمه الله. انظر فتح القدير (١/٤٢٤) والمغني (٢/٣٤٠) ، والشرح الممتع (٢/١٣٩) .

ومن نسي الصلاة حتى دخل وقت الصلاة الثانية، ثم ذكرها فله ثلاثة أحوال:

١- أن يتذكر الصلاة الفائتة قبل أن يبدأ في الصلاة الحاضرة، فيجب عليه حينئذٍ أن يبدأ بالصلاة الفائتة، ثم يُصلي الصلاة الحاضرة.

٢- أن يصلي الصلاة الحاضرة ويتمها ثم يتذكر أن عليه صلاة فائتة لم يصلها، فإن الصلاة الحاضرة صحيحة ويصلي الصلاة الفائتة فقط. وهو معذور في عدم الترتيب بالنسيان.

٣- أن يتذكر أثناء الصلاة الحاضرة أنه لم يصلِّ الصلاة السابقة (الفائتة) فإنه يتم الحاضرة وتكون نفلاً، ثم يصلي الفائتة، ثم يعيد بعدها الحاضرة محافظة على الترتيب. وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وانظر المغني (٢/٣٣٦-٣٤٠) . وهو قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. روى مالك في الموطأ (٤٠٨) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلا وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الأُخْرَى. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (ومتى ذكر الفائتة في أثناء الصلاة كان كما لو ذكر قبل الشروع فيها، ولو لم يذكر الفائتة حتى فرغت الحاضرة فإن الحاضرة تجزئة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد. . .) اهـ الفتاوى الكبرى (١/١١٢) .

وكونه يتم الصلاة التي هو فيها على سبيل الاستحباب لا الوجوب، فإذا قطعها ثم صلى الصلاة الفائتة ثم الحاضرة بعدها كان ذلك جائزاً. قَالَ مُهَنَّا: قُلْت لِأَحْمَدَ: إنِّي كُنْتُ فِي صَلاةِ الْعَتَمَةِ [أي العشاء] , فَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ , فَصَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ , ثُمَّ أَعَدْتُ الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ؟ قَالَ: أَصَبْتَ. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أَخْرُجَ حِينَ ذَكَرْتُهَا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصَبْتُ؟ قَالَ: كُلٌّ جَائِزٌ. المغني ٢/٣٣٩.

وذهب بعض العلماء إلى أنه يتم الصلاة (الحاضرة) التي هو فيها ثم يصلي الفائتة، ولا يلزمه إعادة الحاضرة مرة أخرى، وهو مذهب الشافعي كما في المجموع (٣/٧٠) واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. مجموع فتاوى ابن عثيمين ١٢/٢٢١. والقول الأول أحوط.

ثالثاً: قول السائل إنه لم يصل الصبح لأنه كان مريضاً

هذا العمل غير صحيح؛ لأن المرض ليس عذرا لترك الصلاة حتى يخرج وقتها، بل الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ثم إذا كان مريضا فإنه يصلي على حسب استطاعته إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. فإذا عجز عن القيام صلى قاعدا، فإن عجز عن القعود صلى على جنب، وإن عجز عن الوضوء تيمم، وإذا كان على بدنه نجاسة وعجز عن إزلتها صلى على حالته التي هو عليها وهكذا، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بسبب عجزه عن الطهارة أو إزالة النجاسة، بل يصلي على حسب استطاعته ويفعل من واجبات الصلاة ما يستطيعه ويسقط عنه ما لا يستطيعه. وانظر رسالة (أحكام صلاة المريض وطهارته) للشيخ ابن باز.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>