للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم تسمية المسجد باسم أهل الحديث

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز تسمية مسجد من المساجد باسم " أهل الحديث "؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

توسع جمهور أهل العلم في تسمية المساجد، فأجازوا تسميتها بكل ما يميزها عن غيرها من أسماء الأنبياء، والعلماء، والصالحين، وأسماء من بناها، وأسماء البلدان التي تقع فيها، أو القبائل التي تسكن عندها، ونحو ذلك، مستدلين عليه بما ورد في صحيح البخاري (رقم/٤٢٠) من تسمية أحد المساجد بـ " مسجد بني زريق "، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (٧١٣٠١)

وننقل هنا من فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية ٥/٢٨٠-٢٨٤) فتوى مطولة تتعلق بهذا الموضوع:

" أولا:

المساجد قد حصل بالتتبع وجود تسميتها على الوجوه الآتية، وهي:

١- إضافة المسجد إلى من بناه، وهذا مِن إضافة أعمال البر إلى أربابها، وهي إضافة حقيقية للتمييز، وهذه تسميته جائزة، ومنها: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٢- إضافة المسجد إلى من يصلِّي فيه [يعني: القبيلة، أو الجماعة، أو الحي الذي يعتاد الصلاة فيه] ، أو إلى المحلة، وهي إضافة حقيقية للتمييز، فهي جائزة، ومنها: مسجد قباء، ومسجد بني زريق كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في حديث المسابقة إلى مسجد بني زريق ومسجد السوق، كما ترجم البخاري رحمه الله بقوله: (باب العلماء في مسجد السوق) .

٣- إضافة المسجد إلى وصف تميز به، مثل: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، كما في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ، وفي السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة: (لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) ، ومنه: (المسجد الكبير) وقد وقع تسمية بعض المساجد التي على الطريق بين مكة والمدينة باسم (المسجد الأكبر) كما في (صحيح البخاري) ومثله يقال: (الجامع الكبير) .

ثانيا:

تسمية المسجد باسم غير حقيقي لكي يتميز ويعرف به، وهي ظاهرة منتشرة في عصرنا لكثرة بناء المساجد وانتشارها ولله الحمد في بلاد المسلمين في المدينة وفي القرية، بل في الحي الواحد، فيحصل تسمية المسجد باسم يتميز به، واختيار إضافته إلى أحد وجوه الأمة وخيارها من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من التابعين لهم بإحسان، مثل: مسجد أبي بكر رضي الله عنه، مسجد عمر رضي الله عنه، وهكذا للتعريض، فهذه التسمية لا يظهر بها بأس، لا سيما وقد عرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تسميته سلاحه، وأثاثه، ودوابه، وملابسه، كما بينها ابن القيم رحمه الله تعالى في أول كتاب (زاد المعاد) .

ثالثا:

تسمية المسجد باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، مثل: مسجد الرحمن، مسجد القدوس، مسجد السلام، ومعلوم أن الله سبحانه قال وقوله الفصل: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) ، فالمساجد جميعها لله تعالى بدون تخصيص، فتسمية مسجد باسم من أسماء الله ليكتسب العلمية على المسجد أمر محدث، لم يكن عليه من مضى، فالأولى تركه، والله الهادي إلى سواء السبيل " انتهى النقل عن فتاوى اللجنة الدائمة.

وانظر كتاب " أحكام المساجد " (٢/٨٦) لإبراهيم الخضيري.

وبناء على ما سبق فالأصل أنه لا حرج في تسمية المسجد باسم " مسجد أهل الحديث "، فهي نسبة إلى وصف شرعي مقبول، وما زال هذا الاسم عند أهل العلم محل ثناء وذكر بالخير، فتسمية المسجد به أمر سائغ لا بأس به، إن شاء الله تعالى.

وهذا الحكم إنما هو من حيث الأصل والعموم، لكن قبل تطبيقه على حال مسجدكم، ينبغي النظر في واقع بلادكم؛ فإن كان الانتساب إلى أهل الحديث، والتسمي باسمهم، أو تسمية مسجدكم باسم " أهل الحديث "، إن كان ذلك كله يترتب عليه تفريق لجماعة المسلمين، أو إلقاء البغضاء في قلوبهم، أو إحياء العصبيات الجاهلية، ووقوع الفتن والإحن بين المسلمين: فينبغي ترك هذه التسمية، بل ترك ما هو أعلى منها من المباحات والمستحبات إذا ترتب عليها شيء من هذه المفاسد، وأقصى ما في تسمية مسجدكم بهذا أن يكون أمرا مباحا تركتموه، وأمامكم من الأسماء الشرعية المباحة، مما يجمع ولا يفرق، ويؤلف ولا ينفر، ما فيه غنية عن ذلك. ولقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم المناداة بالأسماء الشرعية إذا كان باعثها التعصب لغير الحق.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:

(غَزَوْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِي: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِي: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَخَرَجَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ. فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِي الأَنْصَارِيَّ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ) رواه البخاري (٣٥١٨) ، ومسلم (٤٦٨٢) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" فهذان الاسمان ـ المهاجرون والأنصار ـ اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة، وسماهما الله بهما، كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا؛ وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط، كالانتساب إلى القبائل والأمصار، ولا من المكروه أو المحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى؛ ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفةً منتصرا بها: أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وسماها دعوى الجاهلية، حتى قيل له: إن الداعي بها إنما هما غلامان، لم يصدر ذلك من الجماعة؛ فأمر بمنع الظالم وإعانة المظلوم ". اقتضاء الصراط المستقيم (٧١) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>