للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل حوسب بعض الناس وأدخلوا الجنة أو النار؟

[السُّؤَالُ]

ـ[متى يبدأ الحساب، أهو عند نزول القبر أم يوم القيامة، وقد علمنا أن هناك بعض الأشخاص دخلوا الجنة أمثال ماشطة بنات فرعون وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وأن هناك بعض الأشخاص دخلوا النار، فكيف يكون ذلك ونحن نعلم أن أول من يدخل الجنة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد للَّه

أولا:

يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الحساب بعد الموت حق، وأن الجزاء يكون بعد الحساب، قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الحجر/٩٢-٩٣، وقال سبحانه: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) الأعراف/٦

ثم إن هذا الحساب يكون على مرحلتين:

المرحلة الأولى: فى القبر بعد الموت: وذلك حين يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة، وهي فتنة القبر التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ منها.

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُم تُفتَنُونَ فِي القُبُورِ) رواه البخاري (١٠٤٩) ومسلم (٥٨٤)

يقول ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (١/١٦٥) :

" أصل الفتنة الاختبار والامتحان " انتهى.

ونقل المناوي في "فيض القدير" (٦/٢٣٤) عن بعض أهل العلم قولهم:

" يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه في الموقف، فيمحص في البرزخ، فيخرج وقد اقتص منه " انتهى.

ويكون بعد هذا الحساب جزاء أيضا، فمن فاز أتاه من النعيم والسرور في قبره، ومن خسر أصابه من العذاب والشقاء.

وكل ذلك في القبر أو في حياة البرزخ، أما الجنة والنار فلا يدخلها أحد دخولا تاما إلا بعد المرحلة الثانية من الحساب، وهي حساب الآخرة.

ولكن قد تدخل بعض الأرواح الجنة، فيصيبها بعض نعيمها، كرامة منه سبحانه وتعالى.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ)

رواه مالك في الموطأ (١/٢٤٠) وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (٢/٦١٤)

نسمة المؤمن: روحه. يعلق: أي يأكل ويرعى.

يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه "حادي الأرواح" (٤٨) :

" وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة " انتهى.

كما قد تُعرض بعض الأرواح على النار، فيصيبها من حرها وعذابها.

يقول سبحانه وتعالى:

(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر/٤٦

ومن تجاوز حساب القبر هان عليه حساب الآخرة.

عن هَانِئ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ)

رواه الترمذي (٢٣٠٨) وحسنه، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

المرحلة الثانية من الحساب: بعد البعث في الآخرة، وهو الحساب العظيم الذي يميز فيه بين أهل الجنة وأهل النار، ويتقاص العباد فيه المظالم بينهم، وسمي ذلك اليوم بيوم الحساب.

يقول سبحانه وتعالى:

(هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ) ص/٥٣

وقال سبحانه:

(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) غافر/٢٧

ولا يدخل أحد الجنة أو النار إلا بعد هذا الحساب، فمن الناس من يحاسب حسابا يسيرا، ومنهم من يحاسب حسابا عسيرا، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة الدخول الحقيقي التام في الآخرة.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ) رواه مسلم (١٩٧)

ثانيا:

أما ما جاء من الأحاديث التي يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى أحدا في الجنة أو في النار، فهي على أحد وجهين:

١- إما أنها في رؤيا المنام: كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: (يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ)

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٣/٣٥) :

" قال الكرماني: ظاهر الحديث أن الماع المذكور وقع في النوم؛ لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت. ويؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا: (رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقيل هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جاريه فقيل هذا لعمر) الحديث وبعده من حديث أبي هريرة مرفوعا: (بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقيل: هذا لعمر) الحديث فعرف أن ذلك وقع في المنام، وثبتت الفضيلة بذلك لبلال؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، ولذلك جزم النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك " انتهى.

٢- يكشف الله للنبي صلى الله عليه وسلم ما سيكون في الأخرة حتى يراه رأي عيان أو رأي قلب، ومنه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من أمور في الجنة وفي النار.

يقول الحافظ النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (٦/٢٠٧) :

" قال القاضي عياض: قال العلماء: تحتمل أنه رآهما رؤية عين، كشف الله تعالى عنهما، وأزال الحجب بينه وبينهما، كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه.

قالوا: ويحتمل أن يكون رؤية علم وعرض وحي، باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلا ما لم يعرفه قبل ذلك.

قال القاضي: والتأويل الأول أولى وأشبه بألفاظ الحديث، لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين كتناوله صلى الله عليه وسلم العنقود، وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار " انتهى.

انظر جواب السؤال رقم (٤٠٠٣) ، (٥٦٤٣) ، (١٢٤٧٨) ، (١٤٥٢٦)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>