للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم الجمع بين الصلاتين لأجل المحاضرات في الخارج

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي قريب يدرس في دولة المجر ويسأل بالنسبة للصلاة كيف تكون؟ حيث إن لديه محاضرات من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة السادسة مساء وأوقات الصلوات من الظهر إلى العشاء تتداخل مع المحاضرات فكيف يصلي؟ وهل يجوز له الجمع والقصر أو الجمع فقط؟ أرجو التوضيح، فإنه يعاني من صعوبة في أداء الصلاة في وقتها.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها، والترغيب في ذلك، والتحذير من التهاون فيه، ما هو معلوم مشهور، كقوله تعالى، (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/١٠٣، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (٥٢٧) ومسلم (٨٥) .

وجاء في المحافظة على صلاة العصر خاصة قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/٢٣٨، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (٥٥٣) .

وإذا تقرر هذا فينبغي أن يبذل السائل الأسباب ويبحث عن الوسائل التي يتمكن بها من أداء هذه الفريضة العظيمة في وقتها، كاختيار وقت المحاضرة الذي لا يتعارض مع أداء الصلاة، والاستئذان من المحاضر للخروج لأدائها في أي مكان طاهر، ومعلوم أن فعل الصلاة لا يستغرق إلا دقائق معدودة.

وينبغي الحذر من ترك الخروج للصلاة حياء، أو ضعفا، أو لعدم الرغبة في إظهار أنه مسلم، وقد قرر أهل العلم أن المقيم في بلاد الكفر إذا لم يستطع إظهار دينه وجبت عليه الهجرة، ولم يحل له البقاء، إلا أن يكون عاجزا عن الهجرة؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/٩٧-٩٩.

ثانيا:

إذا بذل الأسباب ولم يتمكن من أداء الصلاة في وقتها، فلا حرج عليه من الجمع بين الصلاتين، فيجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ لما روى مسلم (٧٠٥) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . أي: لا يدخل عليهم الحرج والمشقة.

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت الطالبة الحصة الدراسية مع دخول وقت الظهر وتستمر الحصة لمدة ساعتين فكيف تصنع؟

فأجاب: "إن الساعتين لا يخرج بهما وقت الظهر، فإن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر، وهذا زمن يزيد على الساعتين، فبالإمكان أن تصلي صلاة الظهر إذا انتهت الحصة؛ لأنه سيبقى معها زمن، هذا إذا لم يتيسر أن تصلي أثناء وقت الحصة، فإن تيسر فهو أحوط، وإذا قدر أن الحصة لا تخرج إلا بدخول وقت العصر، وكان يلحقها ضرر أو مشقة في الخروج عن الدرس، ففي هذه الحال يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر فتؤخر الظهر إلى العصر؛ لحديث بن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل له في ذلك. فقال رضي الله عنه: أراد - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن لا يحرج أمته) ، فدل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما فيه حرج ومشقة على الإنسان يحل له أن يجمع الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض في وقت إحداهما، وهذا داخل في تيسير الله عز وجل لهذه الأمة دينه، وأساس هذا قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) ، وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على يسر هذه الشريعة " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (١٢/٢١٦) .

ثالثا:

ويلزمه أداء الصلاة تامة غير مقصورة؛ لأن من نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فهو في حكم المقيم، عند جمهور الفقهاء.

ولا تلازم بين الجمع والقصر، فقد يجتمعان كما في السفر، وقد يجمع الإنسان في الحضر لمرض أو استحاضة أو لخوف على نفسه أو ماله، أو لمطر شديد ونحو ذلك من الأعذار المبيحة للجمع، مع انتفاء القصر؛ لأن القصر لا يكون إلا في السفر.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>