للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحكمة من عدم دخول المسترقي في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب

[السُّؤَالُ]

ـ[لماذا لا يدخل من يطلب الرقية من الآخرين ضمن أولئك السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ أليس يجوز طلب الرقية من الغير؟ كما أن لدي مشكلة تؤرقني ولا أجد أن لدي الصبر أو مهارة عمل الرقية لنفسي وقد بدأتها عدة أيام ثم امتنعت.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

روى البخاري (٦٤٧٢) ومسلم (٢٢٠) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولَاَ يكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .

وهؤلاء إنما يدخلون الجنة بغير حساب؛ لكمال توحيدهم، وكمال توكلهم على الله، واستغنائهم عن الناس.

ولا يدخل من يطلب الرقية من الآخرين ضمن أولئك السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب لنقصان توكله على الله؛ لأن طلب الرقية فيه نوع تذلل وحاجة إلى الراقي، ومن كمال التوكل والتوحيد أن لا يسأل المسلم الناس شيئا.

وقد روى مسلم (١٠٤٣) عن عَوْف بْن مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: (عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا، وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا) .

فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.

قال ابن القيم رحمه الله:

"وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب لكمال توحيدهم، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء وهو سؤال الناس أن يرقوهم، ولهذا قال: (وعلى ربهم يتوكلون) فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه وثقتهم به ورضاهم عنه وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئا لا رقية ولا غيرها، ولا يحصل لهم طيرة [التشاؤم] تصدهم عما يقصدونه؛ فإن الطيرة تنقص التوحيد وتضعفه" انتهى. "زاد المعاد" (١/٤٧٥) .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"المراد: أنهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولا أن يكويهم، بل يتوكلون على الله، ويعتمدون عليه في كشف ما بهم ودفع ما يضرهم، وإيصال ما به نفعهم" انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٤/٣٩٧) .

ثانيا:

طلب الرقية من الغير ليس بمحرم، ولكنه خلاف الأفضل والأكمل.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن" انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٤/٢٦١) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

"هذا الحديث يدل على أن ترك الطلب أفضل، وهكذا ترك الكي أفضل، لكن عند الحاجة إليهما لا بأس بالاسترقاء والكي؛ لأن النبي عليه السلام أمر عائشة أن تسترقي من مرض أصابها، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لهم، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك عند الحاجة إلى الاسترقاء" انتهى.

"مجموع فتاوى ابن باز" (٢٥/١١٨-١١٩) .

ثالثا:

أما قولك: لا أجد لدي الصبر أو مهارة عمل الرقية لنفسي.

فطلب الرقية جائز كما سبق، مع أن الرقية لا تحتاج إلى مهارة، وإنما هي بمنزلة الدعاء، فكل إنسان يستطيع أن يدعو ربه بحصول الشفاء، ولا يصعب عليه ذلك، فيستطيع الإنسان أن يرقي نفسه بسورة الفاتحة، أو غير ذلك من القرآن الكريم، أو بالأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومنها:

(اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (٥٧٥٠) ومسلم (٢١٩١) .

(أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) رواه البخاري (٣٣٧١) .

وروى مسلم (٢٢٠٢) والترمذي (٢٠٨٠) عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضع يدك على المكان الذي تَأَلَّم من جسدك وقل: (بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) زاد الترمذي: "قال: ففعلت، فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم".

نسأل الله تعالى أن يشفيك شفاء لا يغادر سقماً.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>