للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم دراسة علم النفس والقانون

[السُّؤَالُ]

ـ[أدرس حاليا علم النفس والقانون، وأفكر في أن أحصل على شهادتي العلمية في مجال علم النفس. فهل تجوز دراسة علم النفس والقانون والحصول على شهادة علمية فيهما، وفى حال جواز ذلك أرجو أن تمدوني بدليل وأن تقرنوه بإجابتكم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله:

هذان العلمان (علم النفس والقانون) تدرس فيهما المسائل على خلاف الشريعة الإسلامية؛ وهذا أمر مفهوم ومنطقي باعتبار أن القانون عند غير المسلمين يقابل الشريعة الإسلامية، وأن علم النفس عندهم يقابل الأخلاق والزهد والرقاق والتزكية والسلوك والتربية، وبما أن القوم لا يدينون بدين الإسلام، أيا كانت ملتهم مذهبهم؛ فمنطقي ـ كذلك ـ أن يصدروا في قانونهم وأخلاقهم عن غير شرع الله تعالى الذي ارتضاه لعباده، وإنما يصدرون في ذلك عن تجاربهم أو عقولهم أو أذواقهم أو أعرافهم؛ أو غير ذلك مما يجعلونه لهم، ونظاما يتبعونه.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن دراسة هذين العلمين وأشباههما - كالفلسفة والاقتصاد غير الإسلامي – لا تجوز للمسلم على سبيل الإفادة ـ المطلقة ـ منها واعتقاد ما فيها من ضلال والعمل به، واتخاذه دينا وشرعا متبعا؛ فإن الخير كل الخير في اتباع ما جاء به النبي من الهدى والنور، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء:١٧٤) ، وقال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (المائدة: من الآية١٥) ، وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (يونس:١٠٨) .

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن النظر في كتب أهل الكتاب وغيرهم، وغضب صلى الله عليه وسلم عندما رأى في يد عمر رضي الله عنه كتابا من كتب اليهود كما جاء في مسند أحمد (١٤٦٢٣) (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) [حسنه الألباني في الإرواء: ٦/٣٤] .

ويتأكد النهي عن تعلم ودراسة هذه العلوم إذا كان المسلم غير مؤهل لمعرفة ما فيها من شر، والتمييز بينه وبين ما فيها من خير؛ فإنه لابد إذا كان حاله كذلك أن يصيبه شيء من شرها؛ كما هو مشاهد من كثير ممن درس هذه العلوم من المسلمين في القرنين الماضيين، ممن سموا برواد التنوير في العالم العربي، ففتنوا وكانوا طليعة لتنحية الشريعة عن الحكم في بلاد المسلمين، وأحلوا مكانها القانون الروماني والفرنسي، وحاولوا وجدوا في صبغ المجتمعات الإسلامية بالصبغة الغربية في جميع مجالات الحياة، ووسموا القابضين على دينهم من المسلمين بالرجعية والتخلف والجمود والأصولية والظلامية، وأمثال هذه الألفاظ النابتة في البيئة الأوروبية.

أما إذا كان المسلم من الكفاية العقدية والعقلية؛ بحيث لا يُخاف على مثله من الشبه والزيغ الموجود في هذه العلوم؛ فيجوز له دراستها، بل قد يجب على أفراد بأعيانهم متابعةُ الجديد عند غير المسلمين من نظريات وأفكار وفلسفات، للرد عليها وتبيين ما فيها من زيغ إذا تسربت إلى بلاد المسلمين، مستترة في أزياء الأدب والفن والثقافة ومناهج التعليم والاقتصاد والاجتماع ونظم الحكم والإدارة.

ويتأكد الأمر إذا كان بتكليف من ولي الأمر المسلم الناصح لأمته، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود.

وقد بوب بذلك البخاري رحمه الله في صحيحه - (٦/٢٦٣١) فقال: بَاب تَرْجَمَةِ الْحُكَّامِ وَهَلْ يَجُوزُ تَرْجُمَانٌ وَاحِدٌ وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ. (رواه الترمذي وصححه برقم ٢٦٣٩) ، وصححه الألباني: المشكاة (٤٦٥٩) .

وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال في هذا المعنى فأجابت بالآتي:

" لا يجوز تعلم القوانين الوضعية لتطبيقها، ما دامت مخالفة لشرع الله، وتجوز دراستها وتعلمها لبيان ما فيها من دخل وانحراف عن الحق، ولبيان ما في الإسلام من العدل والاستقامة، والصلاح، وما فيه من غنى وكفاية لمصالح العباد. ولا يجوز لمسلم أن يدرس الفلسفة والقوانين الوضعية ونحوهما، إذا كان لا يقوى على تمييز حقها من باطلها خشية الفتنة والانحراف عن الصراط المستقيم، ويجوز لمن يهضمها ويقوى على فهمها بعد دراسة الكتاب والسنة؛ ليميز خبيثها من طيبها، وليحق الحق ويبطل الباطل، ما لم يشغله ذلك عما هو أوجب منه شرعا، وبهذا يُعلم أنه لا يجوز تعميم تعليم ذلك في دور العلم ومعاهده، بل يكون لمن تأهل له من الخواص؛ ليقوموا بواجبهم الإسلامي من نصرة الحق ودحض الباطل.

فتاوى اللجنة الدائمة (١٤ / ٢٣٢- ٢٣٣) .

فالنصيحة للأخ الكريم أن ينظر في حاله: هل تتوفر فيه الشروط المشار إليها؛ من العلم بالعقيدة الصحيحة والثبات عليها والتمتع بالعقل الراجح المميز بين الحق والباطل، والقدرة على دحض الشبه والزيغ بالأدلة الصحيحة والنصح للإسلام، فإن آنس من نفسه ذلك فليقدم على دراسة هذين العلمين، بعد استخارة الله تعالى، وإلا فالأولى في حقه ترك هذه الدراسة إلى شيء من العلوم المادية البحتة.

وليعلم أن من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه.

نسأل الله لك التوفيق والهداية لما ينفعك في دينك ودنياك.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>