للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تلبس المرأة الحجاب في الجنة أيضا؟

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت أن المرأة المسلمة ستكون بحجاب إسلامي في الجنة أيضاً، أم إنها لن تكون قادرة على رؤية الرجال غير المحارم، كنت أعرف أن النساء تلبس النقاب والحجاب الإسلامي في الدنيا فقط. من فضلكم أحتاج توضيحاً، لأن شخصاً أخبرني بحديث يتعلق بهذه المسألة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الجنة دار نعيم وليست دار تكليف، وقد خلق الله فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/١٧

فلا ينبغي للمسلم أن يتكلف السؤال عن تفاصيل ما في الجنة، مما قد يراه في الدنيا قيدا أو مشقة، فالجنة عالم آخر، ليس في الدنيا منه إلا الأسماء فقط، وأما حقائق الأمور فتختلف تماما، فمن التكلف أن ندقق النظر في كل ما يذكر في الجنة على مثال ما هو في الدنيا.

ومن أخص ما ورد في العلاقة بين الرجال والنساء غير المحارم غض البصر وقصر النظر عن حظوظ الآخرين من نعيم الجنة، قول الله تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) الرحمن/٥٦، ولكنه في وصف الحور العين، فهل فيه دلالة على لحوق الأمر باقي النساء، هذا محل تردد.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

" (قاصرات الطرف) أي غضيضات عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئا في الجنة أحسن من أزواجهن: قاله ابن عباس، وقتادة، وعطاء الخراساني، وابن زيد، وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها: والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك، ولا في الجنة شيئا أحب إلي منك، فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك " انتهى.

"تفسير القرآن العظيم" (٧/٥٠٤)

وأما لبس الخمار أو غطاء الرأس فلم نقف فيه أيضا على خبر يبينه تفصيلا، وإنما وردت إشارة إليه في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ - يَعْنِي سَوْطَهُ - خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رواه البخاري (حديث رقم/٢٧٩٦) .

قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله:

" النصيف: الخمار " انتهى.

"غريب الحديث" (٢/١٦٦)

ولكن ذلك غيرُ كافٍ للجزم بأن نساء الجنة يغطين رؤوسهن لزاما، لأسباب ثلاثة:

١- تفسير بعض العلماء لكلمة " نصيف " بأنه العصابة التي تلفها المرأة على استدارة رأسها، وهذه لا تغطي الرأس، وإنما تلبسها المرأة للتجمل والتزين.

٢- سياق الحديث لا يسعف في الدلالة على ذلك، إذ المقصود من الحديث بيان شدة جمال نساء أهل الجنة والحور العين، حتى إن أدنى شيء تلبسه خير من متاع الدنيا كله، وليس المقصود خصوص " النصيف " بعينه. وقد وردت رواية أخرى جاء فيها: (ولتاجها على رأسها) .

٣- ثم إن هذا الذكر العرضي للنصيف لا يعني لبس جميع النساء له، وفي جميع الأوقات والأماكن، وأمام جميع الناس، وإطلاق ذلك يحتاج دليلا خاصا، ولا نجده.

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" قوله: " وَلَنَصِيفُها " فسر في الحديث بالخِمار، وهذا التفسير من قتيبة، فقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر بدونه.

وقد وقع في رواية الطبراني: (وَلَتاجُها على رأسها) .

وحكى أبو عبيد الهروي أن " النصيف ": المِعجَر، وهو ما تلويه المرأة على رأسها.

وقال الأزهري: هو كالعصابة تلفها المرأة على استدارة رأسها، واعتجر الرجل بعمامته لفها على رأسه، ورد طرفها على وجهه، وشيئا منها تحت ذقنه " انتهى.

"فتح الباري" (١١/٤٤٢)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>