للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ترك صلاة الجماعة في الشركة تجنبا لأذى الموظفين

[السُّؤَالُ]

ـ[أعمل موظفا في شركة، وصل أذى عمالها لي إلى حد اتهامي بالكبائر والنفاق، وأصبح سبي وسب أهلي شيئا محببا لهم، فما حكم ترك صلاة الجماعة معهم، وما حكم ترك العمل لهذا السبب، مع العلم أنه يصعب إيجاد عمل آخر؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفيك شرار الخلق، وأن يكف عنك الظلم والأذى.

ثم نوصيك أخانا السائل بالحكمة في الحل، والحكمة لا تكون إلا مع التأني والتروي، وليس بالعجلة والتسرع، وذلك لتأخذ فرصتك في تقليب الأمر ومشورة أهل الفضل والرأي مِن حولك.

والذي نراه لك أمران:

أولا: فيما يتعلق بالصلاة: فليس ما ذكرته عذرا لترك صلاة الجماعة معهم؛ فإن من أصول أهل السنة: حضور صلاة الجماعة خلف كل بر وفاجر، إلا إن كانت تتيسر لك جماعة أخرى أمثل منهم، فلا بأس أن تصلي مع الجماعة الفاضلة، وأما أن تترك صلاة الجماعة لتصلي وحدك، فهذا لا يجوز لك، ثم إن لن يحل من مشكلتك شيئا، لأنك سوف تبقى تلتقي بهم في عملك، وذهابك ومجيئك.

اللهم إلا أن تكون صلاتك معهم لها مدخل في حصول هذا الأذى، أو أنهم يتعمدون إظهاره في مكان الصلاة، فالذي يظهر ـ حينئذ ـ أنه لا بأس بألا تصلي معهم، دفعا لأذاهم عن نفسك.

قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في "الأشباه والنظائر" (ص/٦٨٤) :

" الأعذار المرخصة في ترك الجماعة نحو أربعين ... - فعدها وذكر منها -: أو في طريقه من يؤذيه بلا حق، ولو بشتم، ولم يمكن دفعه نقله الأذرعي " انتهى.

ثانيا: أما أذاهم لك، فاستعن ـ أولا ـ بمولاك: أن يكف عنك شرهم وكيدهم وأذاهم، وأن يسلمك منهم.

ثم إن كان لك رئيس، أو كان عندك ذو سلطان تستعين به في كف شرهم عنك، فافعل.

فإن لم يكن عندك من يدفع عنك الأذى، وكان لعملك مقر آخر، فاطلب نقلك إليه، فما ينبغي للمسلم أن يبقى في مكان تنتهك فيه حرمته، ويتعرض فيه للأذى، وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه.

عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ) .

رواه الترمذي (٢٢٥٤) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

على أنه ينبغي لك أن تدبر لك عملا آخر، تنفق منه على نفسك وعيالك قبل أن تترك عملك هذا فعلا.

واعلم أن الله سبحانه وتعالى ناصر المظلومين، ومجير المستضعفين، فالجأ إليه سبحانه، واسأله دائما العصمة من الأذى والحفظ من الضرر، وأن يظهر الحق ويذب عن عرضك، ولتعز نفسك بمن قبلك من المؤمنين الذين اتهموا بالباطل في دينهم وعرضهم، وأولهم الأنبياء، ثم الصحابة والصالحون، حتى تجرأ بعضهم على اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأنزل الله براءتها من عنده في آيات تتلى إلى يوم القيامة.

وليحذر أولئك الذين يقعون في أعراض المسلمين ويأكلون لحومهم سخطَ الله ومقته وعقابه، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، يقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/٥٨

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ:

(يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ.

قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ)

رواه الترمذي (٢٠٣٢) وقال حسن غريب. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"

والحاصل أنه ينبغي لك المحافظة على صلاة الجماعة، مع اعتزال من يتهمونك بالباطل، فإن لم تستطع الجمع بينهما، وبلغ بك من الأذى الشيء الكثير، جاز لك ترك صلاة الجماعة معهم، إن كان ينفعك ذلك في دفع الأذى عن نفسك، أو تقليله.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>