للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يتركون مكاناً في الصف الأول للمتأخرين عن الصلاة؟ وشيء من أحكام الصفوف

[السُّؤَالُ]

ـ[نحن مجموعة من الطلبة المغتربين بدولة غير إسلامية، ونحن نجتمع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة، وأحياناً قليلة بعض الصلوات الأخرى، المكان الذي نصلي فيه هو عبارة عن شقة مؤجرة كمشروع للأطعمة الحلال، ومكان لصلاة الجمعة أساساً، وقد قمت بنصح الإخوة بإتمام الصف الأول، وتسوية الصفوف في الصلاة، ولكن بعد فترة بسيطة طلب أحد الأشخاص أن نترك فرجة في الصف الأول نظراً لأن الباب في المقدمة، وإذا حضر أحدٌ متأخراً فسيجد صعوبة في المرور للخلف مع تعليقه بأننا يجب ألا نركز على تلك الأمور الصغيرة - حسب تعبيره - ونهتم أساسا بالخشوع في الصلاة، كما يسأل لما لا نجعل الإسلام بسيطا؟ وضرب أمثلة لذلك مثل أن بعض العلماء يحرِّم ارتداء النساء للبنطلونات، والتي في رأيه الشخصي ليس بها شيء! كما علق أحد الإخوة قائلا: إن الإسلام ليس بهذا الضيق، المهم هو: أنه لا يحدث هذا الزحام البسيط إلا في صلاة الجمعة؛ نظرا لحضور الأغلبية فيها، فهل يجب ألا نكمل الصف الأول، وأن نترك فرجة دائمة في الصفوف لاحتمال وصول أحد الإخوة متأخراً؟ كما أرجو منكم التعليق على كل ما ورد في السؤال.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان، وإنما تؤخذ من الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة وإجماع العلماء، والقياس الصحيح، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة، كالأئمة الأربعة وغيرهم.

وقول صاحبك: "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء".

فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين الله إلا بعلم، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها، ويكون هذا العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة.

وقد سبق في جواب السؤال (٦٠١٣١) بيان حكم لبس النساء للبنطلون.

ثانياً:

لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا يعد استهانة بالسنة والشرع، وذلك أمر خطير على الإيمان. فكل ما شرعه الله فهو عظيم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/٣٢، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/٣٠.

ثالثاً:

الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة، ومتراصة، ومتقاربة، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع وجود نقص في الصف الأول، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث، ويجب التراص في الصفوف، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها.

فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) . رواه مسلم (٤٣٠) .

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ) . رواه أبو داود (٦٧١) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله:

"دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير" انتهى.

"عون المعبود" (٢ / ٢٦٠) .

قال النووي رحمه الله:

وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول، والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول: أن يتم الأول، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها.

" شرح مسلم " (٤ / ١١٥) .

وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف:

وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) أخرجه أبو داود، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه , فإذا أُقيمت الصلاة: يتفرقون صفوفًا على اثنين، وعلى ثلاثة، ونحوه.

" سبل السلام " (٢ / ٢٩) .

رابعاً:

سبق في جواب السؤال (١١١٩٩) أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه: فإن صلاته باطلة، لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه.

خامساً:

بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف، والمرور أمامهم، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في الجماعة، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي؟ .

فأجاب:

لا يضر، إذا مر بين يدي الصفوف؛ لأن سترة الإمام سترة لهم، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف، وهم يصلون في مِنى.

"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (١٣ / جواب السؤال رقم ٤٢١) .

وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم، فالذي يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد، يمر فيه من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه، فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف، وإتمامها، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>