للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولدٌ يجادلُ والدتَه في أمورِ طعامِهِ وصلاتِهِ

[السُّؤَالُ]

ـ[أخي سمين جدًا، ويأكل كثيرًا، وكلما نَصَحَتْه والدتي في التقليل من الأكل، وتهدده بأنها سوف لن ترضى عنه إذا لم يسمع كلامها، فيقول: إن الأكل ليس محرمًا، وليس للوالدة أن تمنعه من أمر حلال؟

وأيضًا، هو لا يصلي في المسجد، وكلما قالت له الوالدة: لماذا لا تذهب؟ يقول: إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة كما قال الإمام أبو حنيفة.

وأيضًا يؤخر الصلاة بعد الأذان بفترة طويلة، وكلما قلنا له: لماذا لا تصلي في الوقت؟

فيقول: أنا لم أتجاوز الوقت المحدد، فالصلاة لها أوقاتٌ معروفةٌ ليست مقترنةً بالأذان والإقامة. فكيف نجيب عليه؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

إنّ مِن أعظمِ ما امتنّ الله سبحانه وتعالى به على عبادِهِ أنْ سخَّر لهم ما في الأرضِ جميعا منه، وأنزل عليهم النعم، وأباح لهم الطيباتِ من المأكلِ والمشربِ والملبس وغيرها.

ولكنه سبحانه وتعالى أيضًا ذم كلَّ من يسرفُ في استعمالِ هذه المباحات، أو يترخصُ فيها ترخصًا يؤذيه، أو يشغله عن ما هو أنفعُ له في دينِه ودنياه.

قال سبحانه وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/٣١.

ثانياً:

من أخطرِ المهلكاتِ لابنِ آدمَ شهوةُ البطن، والبطنُ ينبوع الشهواتِ ومَنِبتُ الأدواء والآفات.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (٢٣٨٠) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

أي: يكفي ابن آدم من الطعام ما يقيم صلبه فقط , ولا يزيد على ذلك , فإن أبى وأصَرَّ على الزيادة , فيأكل ما يملأ ثلث بطنه , ويكون ثلث آخر للشراب , ويبقى الثلث للتنفس , ولا يزيد على هذا القدر.

انظر: "تحفة الأحوذي".

وقد كان العقلاءُ في الجاهليةِ والإسلامِ يتمدحونَ بقلةِ الأكل.

قال حاتمُ الطائيُّ:

فإنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعَا

"فتح الباري" (٩/٦٦٩) .

وإذا أكثر الإنسان من الطعام حتى ضره ذلك، كان هذا حراما.

سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل كثرةُ الأكلِ حرام؟

فأجابوا:

" نعم، يَحرُمُ على المسلمِ أن يُكثرَ من الأكلِ على وجهٍ يضرُّه؛ لأنّ ذلك من الإسراف، والإسرافُ حرام، لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين) الأعراف/٣١ " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٢/٣٢٩) .

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الترهيب من الإكثار من الشبع , وأن ذلك سبب للتألم بالجوع يوم القيامة، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (٢٠١٥) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

والْجُشَاء هُوَ صَوْتٌ مَعَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الإنسان عِنْدَ الشِّبَعِ.

وَرَوَاهُ اِبْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ , عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَزَادُوا: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا , كَانَ إِذَا تَغَدَّى لا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لا يَتَغَدَّى , وَفِي رِوَايَةٍ لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: فَمَا مَلأَتْ بَطْنِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً.

انظر: "تحفة الأحوذي".

وسبيلُ ترك الأكلِ الكثير إنما هو بالتدريج، فمن اعتادَ الأكلَ الكثيرَ وانتقلَ دفعةً واحدةً إلى القليل ضعفَ وعظُمت مشقته، فينبغي أن يتدرجَ إليه قليلًا قليلًا، وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من طعامِه المعتاد، حتى يصلَ إلى الحدّ المعتدلِ من الطعام.

ثالثاً:

إن كانت صلاةُ الجماعة سنةً مؤكدة، أو كانت الصلاة في أول الوقت فضيلة، فذلك يعني أن نَعَضَّ عليها بالنواجذ ونحرصَ عليها، لا أن نُهمِلَها ونتهاونَ بأدائِها، ولْنحمدِ اللهَ تعالى أن شرعَ لنا سُننَ الهدى ومناسكَ العبادةِ والخير، ولْنأخذِ العبرةَ من حالِ سلفنا من الجيل الأول.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من سرّه أن يلقَى اللهَ غدًا مسلمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيثُ ينادَى بهن، فإنّ اللهَ شرعَ لنبيكم سننَ الهُدى، وإنّهنَّ مِن سننِ الهُدى، ولو أنّكم صلّيتُم في بيوتِكم كما يُصَلّي هذا المتخلِّفُ في بيتِهِ لتركتُم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنةَ نبيِّكم لضلَلَتم، وما مِن رجلٍ يتطهرُ فيُحسِنُ الطهور، ثم يَعمِد إلى مسجدٍ مِن هذه المساجد، إلا كتبَ اللهُ له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعُه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (٦٥٤) .

وهذا على فرضِ كونِ صلاةِ الجماعة سنةً مؤكدةً , وقد سبق بيان وجوبها بالأدلة الدالة على ذلك , في أجوبة كثير من الأسئلة , وانظر السؤال رقم: (١٢٠) (٨٩١٨) (١٠٢٩٢) (٢١٤٩٨) (٤٠١١٣) .

نسألُ اللهَ تعالى أن يوفقَنا وإياك لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>