للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مناقشة حول صلاة سنة الجمعة القبلية

[السُّؤَالُ]

ـ[قرأت في أحد المواقع أن صلاة الجمعة لها سنة تصلى قبلها، أربع ركعات، وذكر الموقع جوابكم على السؤال رقم (٦٦٥٣) وأجاب عليه وأورد أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثاراً عن الصحابة أنهم كانوا يصلون أربعاً قبل الجمعة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

صلاة سنة راتبة قبل صلاة الجمعة مما اختلف فيه العلماء، ومثل هذه المسائل الاجتهادية لا ينكر أحد من المختلفين على الآخر، ولا يجوز أن تكون مثاراً للجدال أو التعصب، أو سبباً لحصول النفرة بين طلاب العلم.

ويجب في هذه المسائل وغيرها رد التنازع إلى الكتاب والسنة، كما أمر الله تعالى بذلك في قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/٥٩.

ومن ظهر له صواب أحد القولين اتبعه، وعمل به، من غير أن ينكر على من أخذ بالقول الآخر.

وينظر جواب السؤال رقم (٧٠٤٩١) لمعرفة موقف المسلم من المسائل الاجتهادية.

ولا مانع من المباحثة في هذه المسائل للوصول إلى الصواب.

والأحاديث ـ وكذلك الآثار عن الصحابة ـ الواردة في صلاة أربع ركعات أو غيرها قبل الجمعة، لا تدل على أن هذه الركعات سنة راتبة قبل الجمعة، كما هو الحال في صلاة الظهر مثلاً، بل تدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة، وهذه الصلاة تعد من النفل المطلق، وليست من السنة الراتبة.

وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة، منها:

عن سَلْمَانَ الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَاّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى) رواه البخاري (٨٨٣) .

وعن ثعلبة بن أبي مالك أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر. أخرجه مالك في "الموطأ" (١/١٠٣) وصححه النووي في "المجموع" (٤/٥٥٠) .

وعن نافع قَال: كان ابن عمر يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة. عزاه ابن رجب في "فتح الباري" (٨/٣٢٩) لمصنف عبد الرزاق.

ولا يصح أن تكون هذه الأدلة دالة على وجود سنة راتبة لصلاة الجمعة، تُصلى قبلها، لأن هذه الصلاة [السنة الراتبة] لم يكن لها وقت تصلى فيه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته إلى الجمعة، ثم يصعد المنبر، ويؤذن المؤذن، ثم يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ويخطب خطبته، ثم ينزل فتقام الصلاة، ويصلي.

فيقال لمن أثبت هذه السنة الراتبة: متى كانت تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟

فإن قال: كانت تصلى بعد الأذان، فهذا لا أصل له في السنة.

وإن قال: كانت تصلى قبل الأذان، فهذه ليست سنة راتبة، وإنما هي نفل مطلق.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء " انتهى.

"فتح الباري" (٢/٤٢٦) .

وقال ابن القيم رحمه الله:

" وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدا، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها، وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير صل، وهذا كان رأي عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟

ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة.

وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي.

والذين قالوا: إن لها سنة، منهم من احتج أنها ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر.

وهذه حجة ضعيفة جدا، فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها.....

ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر، وهو أيضا قياس فاسد، فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو سنة خلفائه الراشدين، وليس في مسألتنا شيء من ذلك، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس ... ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس.

ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في " صحيحه " فقال: باب: الصلاة قبل الجمعة وبعدها: حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وقبل العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين.

وهذا لا حجة فيه، ولم يُرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة، وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء؟

ثم ذكر هذا الحديث، أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها، ولم يرد قبلها شيء.

وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين، فإنه قال: باب الصلاة قبل العيد وبعدها. وقال أبو المعلى: سمعت سعيدا عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد. ثم ذكر حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه بلال ... الحديث.

وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها، فدل على أن مراده من الجمعة كذلك" انتهى باختصار من "زاد المعاد" (١٤١٧- ٤٢٢) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>