للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجوز أن يصلي ركعتين شكراً لله؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز للإنسان أن يصلي ركعتين شكراً لله عز وجل إذا حدث أمر يسره؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

السجود شكراً لله عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (٥١١٠) .

وأما صلاة ركعتين شكراً لله تعالى، فمحل خلاف بين العلماء.

فمن أهل العلم من استحب ذلك عند حدوث نعمة متجددة، ومما قد يُستدل به لمشروعية ذلك:

١-ما رواه الحاكم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن مالك حين تيب عليه وعلى أصحابه أن يصلي ركعتين أو سجدتين. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (٥/١٤٨) .

إلا أن هذا الحديث لا يصح؛ لأن في إسناده: يحيى بن المثنى.

قال العقيلي: "حديثه غير محفوظ، ولا يعرف بالنقل" انتهى من "الضعفاء الكبير" (٤/ ٤٣٢) .

٢- ما رواه ابن ماجه (١٣٩١) من طريق سَلَمَة بْن رَجَاءٍ حَدَّثَتْنِي شَعْثَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ) .

وهذا الحديث حسنه بعض العلماء كابن حجر وابن الملقن. ينظر: "البدر المنير" (٩ /١٠٦) ، تلخيص الحبير (٤ /١٠٧) .

ولكن قال البوصيري: " هذا إسنادٌ فيه مقال، شَعْثَاء بنتُ عبد الله، لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا لَا بِجُرْحٍ وَلَا بِتَوْثِيقٍ.

وَسَلَمَة بْن رَجَاء لَيَّنَهُ اِبْن مُعِين، وَقَالَ اِبْن عَدِّي: حَدَّثَ بِأَحَادِيث لَا يُتَابَع عَلَيْهَا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيف، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَنْفَرِد عَنْ الثِّقَات بِأَحَادِيث، وَقَالَ أَبُو زُرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا بِحَدِيثِهِ بَأْس ". انتهى من "مصباح الزجاجة " (١ / ٢١١) .

وكذلك ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.

٣- صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات عام الفتح، وقد قال كثير من العلماء إنها كانت شكراً لله على نعمة الفتح.

قال محمد بن نصر المروزي: " وأما الصلاة والسجود عند حوادث النعم شكراً لله عز وجل، فمن ذلك: أن الله لما أنعم على نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة اغتسل وصلى ثمان ركعات شكراً لله عز وجل ". انتهى من " تعظيم قدر الصلاة" (١ /٢٤٠) .

وقال ابن حجر: " فيه مشروعيه الصلاة للشكر". انتهى " فتح الباري " (٣ / ١٥) .

ولكن الاستدلال بهذا الحديث قد ينازع فيه من وجهين:

١- أنه خاص بالنصر والفتح، فلا يعمم على جميع حالات السرور.

قال ابن كثير: " هي صلاة الشكر على النصر، على المنصور من قولي العلماء". انتهى من " البداية والنهاية " (١ / ٣٢٤) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكانوا يستحبون عند فتح مدينة أن يصلى الإمام ثماني ركعات شكراً لله، ويسمونها: صلاة الفتح ". انتهى " مجموع الفتاوى" (١٧ / ٤٧٤) .

وقال ابن القيم رحمه الله: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثمان ركعات في بيتها، وكانت ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح.

وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي القصة ما يدل على أنها بسبب الفتح شكرا لله عليه، فإنها قالت: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها " انتهى من " زاد المعاد " (٣ /٣٦١) .

٢- أن أم هانئ بنت أبي طالب، وهي التي روت هذا الحديث، صرحت في لفظ حديثها بأنها كانت صلاة الضحى، وهو خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في كلامه السابق.

فروى مسلم (٣٣٦) عنها قالت: (لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) .

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:

"قَوْلهَا: (ثُمَّ صَلَّى ثَمَان رَكَعَات سُبْحَة الضُّحَى) هَذَا اللَّفْظ فِيهِ فَائِدَة لَطِيفَة، وَهِيَ أَنَّ صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَمَوْضِع الدَّلَالَة كَوْنهَا قَالَتْ: (سُبْحَة الضُّحَى) , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ هَذَا سُنَّة مُقَرَّرَة مَعْرُوفَة , وَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى (صَلَّى ثَمَان رَكَعَات، وَذَلِكَ ضُحًى) , فَإِنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يَتَوَهَّم مِنْهُ خِلَاف الصَّوَاب، فَيَقُول: لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات، وَيَزْعُم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي هَذَا الْوَقْت ثَمَان رَكَعَات بِسَبَبِ فَتْح مَكَّة، لا لِكَوْنِهَا الضُّحَى , فَهَذَا الْخَيَال الَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ هَذَا الْقَائِل فِي هَذَا اللَّفْظ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي قَوْلهَا: (سُبْحَة الضُّحَى) .

وَلَمْ تَزَلْ النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى إِثْبَات الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَ (السُّبْحَة) هِيَ النَّافِلَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي فِيهَا" انتهى.

وبناء على ما سبق ذهب أكثر العلماء إلى عدم مشروعية ما يسمى بـ "صلاة الشكر".

قال الرملي: " لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ تُسَمَّى صَلَاةَ الشُّكْرِ ". انتهى من " تحفة المحتاج " (٣ / ٢٠٨) .

وقال الشيخ ابن باز: " لا أعلم أنه ورد شيء في صلاة الشكر، وإنما الوارد في سجود الشكر ". انتهى "مجموع الفتاوى " (١١ /٤٢٤) .

وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا أعلم في السنة صلاة تسمى: صلاة الشكر، ولكن فيها سجوداً يسمى: سجود الشكر". انتهى " فتاوى نور على الدرب" (٦ / ١٧) .

وقال: " الشكر ليس له صلاة ذات ركوع وقيام، وإنما له سجود فقط ". انتهى "فتاوى نور على الدرب" (٦ / ١٨) .

فالمشروع للمسلم إذا حدث له ما سره أن يسجد شكراً لله تعالى، أما صلاة الشكر فلا أصل لها.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>