للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التعليق على صورة لشاب يُزعم أنه الدجال! وذِكر بعض صفات الدجال من السنَّة

[السُّؤَالُ]

ـ[طالعتنا بعض المواقع على الإنترنت بموضوع لا نعرف له أصلاً عن ظهور المسيح الدجال فى باكستان , ويظهر في هذه الصورة أن الرجل الموجود عنده عين واحدة! ولكن من وصف المسيح الدجال كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعور العين اليمنى - كما في الصحيحين - وليس له عين واحدة في وسط رأسه! فما رأيكم في هذا الموضوع؟ . ونرجو الاهتمام بهذا السؤال نظرا لأنه انتشر في بعض وسائل الإعلام، واغتر به كثير من العامة]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الجاهل عدو نفسه، ولا يزال الجاهلون بشرع الله تتقاذفهم أمواج الحكايات، والأخبار، والقصص، المخترعة، والمؤلَّفة، أو المفتراة على الشرع، وهم يصدِّقون، ويتأثرون، وينشرونها في الآفاق، ثم يجادلون عنها، ويتهمون غيرهم ممن ينفيها أو يردها بالجهل! ومحاربة الدين! .

وهذه الصورة المنشورة، والمنسوبة في الخبر أنها للدجال: أنموذج لما ذكرناه، فمن صدَّق أن صاحبها هو الدجَّال فمِن جهله أتي، وقد لبَّس عليه شياطين الإنس والجن، حتى أثبت ما ليس من الشرع، ونفى ما هو منه، أضف إلى أن الخبر – أصلاً – قد يكون مفبركاً، فما اسم صاحب الصورة؟ وما هو عنوانه؟ ومن هم العلماء الذين قالوا إنه الدجال؟ وكل ما في الأمر صورة منشورة في جريدة.

وهذه الصورة – إن كانت حقيقية - لا يمكن أن يكون صاحبها هو الدجَّال؛ وذلك لأسباب، منها:

١. أن الدجَّال مربوط في جزيرة، كما صحَّ ذلك في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله، من حديث تميم الداري رضي الله عنه.

٢. وفي الحديث أنه عظيم الخلقة.

راجع نص الحديث الوارد في ذلك في جواب السؤال رقم (٨٢٦٤٣) .

وراجع ما ذكرناه في جواب السؤال رقم (٨٨٠٦) ، حول صفات الدجال، وحال فتنته.

ومن الصفات الواردة في شأن للدجال، ما ثبت من حديث " ابن عمر " رضي الله عنهما، وفيه: (أَعْوَرُ الْعَيْنِ كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ) .

وفي سنن أبي داود من حديث عبادة: (مَطْمُوسُ الْعَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ) .

وفي بعض الروايات أن العين الأخرى معيبة أيضاً.

قال النووي – رحمه الله -:

وأما قوله صلى الله عليه وسلم (أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية) فروي بالهمز، وبغير همز، فمن همز: معناه: ذهب ضوؤها، ومن لم يهمز: معناه: ناتئة، بارزة، ثم إنه جاء هنا (أعور العين اليمنى) وجاء فى رواية أخرى (أعور العين اليسرى) وقد ذكرهما جميعاً مسلم فى آخر الكتاب، وكلاهما صحيح، قال القاضي عياض رحمه الله: روينا هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز، وهو الذى صححه أكثرهم، قال: وهو الذى ذهب إليه الأخفش، ومعناه ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها، قال: وضبطه بعض شيوخنا بالهمز، وأنكره بعضهم، ولا وجه لإنكاره، وقد وصف فى الحديث بأنه (ممسوح العين) وأنها (ليست جحراء، ولا ناتئة) بل مطموسة، وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها، وهذا يصحح رواية الهمز، وأما ما جاء فى الأحاديث الأُخر (جاحظ العين) و (كأنها كوكب) وفي رواية (لها حدقة جاحظة كأنها نخاعة فى حائط) فتصحح رواية ترك الهمزة، ولكن يُجمع بين الأحاديث، وتصحح الروايات جميعاً، بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة: هي العوراء الطافئة بالهمز، وهي العين اليمنى، كما جاء هنا، وتكون الجاحظة، والتي كأنها كوكب، وكأنها نخاعة: هي الطافية بغير همز، وهي العين اليسرى، كما جاء فى الرواية الأخرى، وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافية بالهمز، وبتركه، وأعور العين اليمنى، واليسرى؛ لأن كل واحدة منهما عوراء؛ فإن الأعور من كل شيء: المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، وكلا عيني الدجال معيبة، عوراء، إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها.

هذا آخر كلام القاضي، وهو فى نهاية من الحسن، والله أعلم.

" شرح مسلم " (٢ / ٢٣٥) .

وبما ذكرناه هنا، وأحلنا عليه في أجوبة سابقة، يتبين أن صاحب الصورة المذكورة في السؤال – إن كانت حقيقية -: ليس هو الدجَّال، ولم نتعرض لما يكذب ذلك مما أعطاه الله تعالى للدجال من فتن، يفتن بها الناس، ومن ذلك: نهران يجريان، استجابة الجماد والحيوان له، وغير ذلك مما لم نقرأ أن ذلك الشاب قد ادعى شيئاً منه.

وقد جاء في المقال ذِكر صفات وأحوال لذلك الشاب لا يُعرف في الشرع أنها صفات وأحوال للمسيح الدجال، كعدم احتراق يده إذا وضعها في النار! وكأكله الزجاج والحصى! وكشربه من ماء البحر! وكون حارسه الشخصي قط أسود! فها هم – كما قلنا – يثبتون للدجال صفات ليست من الشرع، وما نصَّ الشرع على أنها صفات له لم نجدها فيه.

وبكل حال:

فإننا نحذر المسلمين عموماً من الاغترار بكل ما يُنشر في وسائل الإعلام مما يتعلق بدينهم، واعتقادهم، دون الرجوع إلى أهل العلم في ذلك ليحكموا عليه بما يعلمونه من الأدلة الشرعية التي تعصمهم من الفتن، ونحذرهم من الاغترار بتصديق ما يُنشر في الإنترنت من صور لأناسٍ يُزعم أنهم مُسخوا، أو صورة فرعون، أو صورة جني على هيئته الحقيقية! أو أصوات أناس يزعم أنهم يعذبون في قبورهم، وغير ذلك كثير، مما اغتر به كثير من العامَّة، وأعانهم عليه – للأسف – بعض الخاصَّة.

وليعلم المسلمون أنه لا يستبعد وجود جهات خبيثة تريد إشغال المسلمين بمثل هذه الترهات، وتريد العبث بعقولهم؛ لتجعل منهم مادة دسمة في السخرية في مواقعهم ومنتدياتهم، ونوصي الجميع بطلب العلم، والحرص على البرهان الثابت في الأخبار، وعدم التسليم لكل ما يقال وينشر، وليرجعوا في أمورهم وشئون دينهم إلى أهل العلم الثقات، ليرفعوا عنهم الجهل، ويبينوا لهم حقيقة الأمر.

ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>