للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم يثبت أن المسيح سيدفن في آخر الزمان في الحجرة النبوية

[السُّؤَالُ]

ـ[يروى أن هناك مساحة فارغة بجانب قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكي يستخدمها نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم بعد موته، فهل هذا صحيح؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لم يَرِد في السنة النبوية ما يدلُّ على مكان دفن المسيح عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وأما الحديث الذي يُروى في ذلك فضعيف جدا لا يثبت، وهذا بيانه:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، فيتزوج، ويولد له، ويمكث خمسا وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معي في قبري، فأقوم أنا وعيسى ابن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر) .

رواه ابن أبي الدنيا – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (٢/٥٦٢) - وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٢/٩١٥) وفي "المنتظم" (١/١٢٦) ، وفي "الوفا" (٢/٧١٤) أيضا: من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي.

قال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح، والإفريقي ضعيف بمرة " انتهى.

وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" في سياق المناكير التي رواها هذا الراوي، وقال: " فهذه مناكير غير محتملة " انتهى.

وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (٦٥٦٢) : " منكر " انتهى.

ووردت بعض الآثار في هذا الشأن عن علماء الصحابة ممن قرؤوا التوراة وعرفوا ما فيها:

١- قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: (مكتوب في التوراة صفة محمد، وصفة عيسى بن مريم، يدفن معه) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (٦/٢٢٩) ، والترمذي في "السنن" (رقم/٣٦١٧) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (القطعة المفقودة ص/١١١) ، والآجري في كتاب "الشريعة" (٣/١٣٢٤) بألفاظ متقاربة، ولكني اخترت اللفظ الذي عند الترمذي لتصريحه بنقل الكلام عن التوراة.

كلهم رووه من طريق عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده.

وهذا إسناد ضعيف، فيه عثمان بن الضحاك: قال أبو داود: ضعيف. انظر "تهذيب التهذيب" (٧/١٢٤) . وفيه: محمد بن يوسف لم يوثقه أحد، وإنما ذكره ابن حبان في "الثقات" انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (٩/٥٣٤) لذلك قال البخاري رحمه الله بعد إخراجه الحديث في التاريخ الكبير في ترجمته: " هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه " انتهى.

وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (٦٩٦٢) : " موقوف ضعيف " انتهى.

٢- عن سعيد بن المسيب قال: (إن قبور الثلاثة في صُفَّة بيت عائشة، وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " من وجه ضعيف " انتهى.

"فتح الباري" (٧/٦٦) .

كما ذكر ذلك بعض العلماء والمؤرخين:

قال الإمام القرطبي رحمه الله: " ثم يقبض الله روح عيسى عليه السلام ويذوق الموت، ويدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة ... ، وقد قيل إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء " انتهى.

"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/١٣٠١) وذكر نحوه ابن عساكر وغيره.

والذي يتحصل مما سبق أنه لم يثبت في حوادث آخر الزمان دفن عيسى عليه السلام في الحجرة النبوية، وما ورد في ذلك إنما هي آثار ضعيفة السند، ومأخوذة عن غير الكتاب والسنة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

<<  <  ج: ص:  >  >>