للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

[السُّؤَالُ]

ـ[هل تجب الزكاة في مال الصبي الصغير، مع أنه غير مكلف؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي الصغير والمجنون، وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة:

١- قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) . فالزكاة واجبة في المال، فهي عبادة مالية تجب متى توفرت شروطها، كملك النصاب، ومرور الحول.

٢- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري (١٣٩٥) . فأوجب الزكاة في المال على الغني، وهذا بعمومه يشمل الصبي الصغير والمجنون إن كان لهما مال.

٣- ما رواه الترمذي (٦٤١) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: (أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ) وهو حديث ضعيف، ضعفه النووي في المجموع (٥/٣٠١) والألباني في ضعيف الترمذي. وقد ثبت ذلك من قول عمر رضي الله عنه، رواه عنه البيهقي (٤/١٧٨) وقال: إسناده صحيح. وأقره النووي على تصحيحه كما في "المجموع".

٤- وكذلك روي هذا عن على وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم.

وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الزكاة لا تجب في ماله، كما لا تجب عليه سائر العبادات؛ كالصلاة والصيام، غير أنه أوجب عليه زكاة الزروع وزكاة الفطر.

وأجاب الجمهور عن هذا بأن عدم وجوب الصلاة والصيام على الصبي فلأنهما عبادات بدنية، وبدن الصبي لا يتحملها، أما الزكاة فهي حق مالي، والحقوق المالية تجب على الصبي، كما لو أتلف مال إنسان، فإنه يجب عليه ضمانه من ماله، وكنفقة الأقارب، يجب عليه النفقة عليهم إذا توفرت شروط وجوب ذلك.

وقالوا أيضا: ليس هناك فرق بين وجوب زكاة الزروع وزكاة الفطر على الصبي، وبين زكاة سائر الأموال كالذهب والفضة والنقود، فكما وجبت الزكاة عليه في الزروع تجب عليه في سائر الأموال، ولا فرق.

ويتولى ولي الصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهما من مالهما، كلما حال عليه الحول، ولا ينتظر بلوغ الصبي.

قال ابن قدامة في المغني:

" إذا تقرر هذا – يعني وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون - فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما ; لأنها زكاة واجبة , فوجب إخراجها , كزكاة البالغ العاقل , والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه ; ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون , فكان على الولي أداؤه عنهما , كنفقة أقاربه " انتهى.

وقال النووي في المجموع (٥/٣٠٢) :

" الزكاة عندنا واجبة في مال الصبي والمجنون بلا خلاف، ويجب على الولي إخراجها من مالهما كما يخرج من مالهما غرامة المتلفات، ونفقة الأقارب وغير ذلك من الحقوق المتوجهة إليهما , فإن لم يخرج الولي الزكاة وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة إخراج زكاة ما مضى ; لأن الحق توجه إلى مالهما , لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما " انتهى.

وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس أن الزكاة واجبة على الصبي إلا أنه لا يخرجها حتى يبلغ، وكلاهما ضعيف لا يصح. ضعفهما النووي في المجموع (٥/٣٠١) .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

توفي رجل وخلف أموالا وأيتاما، فهل تجب في هذه الأموال زكاة؟ وإن كان كذلك فمن يخرجها؟

فأجاب:

" تجب الزكاة في أموال اليتامى من النقود والعروض المعدة للتجارة وفي بهيمة الأنعام السائمة وفي الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة، وعلى ولي الأيتام أن يخرجها في وقتها. . . ويعتبر الحول في أموالهم من حين توفي والدهم، لأنها بموته دخلت ملكهم، والله ولي التوفيق " انتهى.

فتاوى ابن باز (١٤/٢٤٠) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة:

هل تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين؟

فأجابوا:

" تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين، وهذا قول علي وابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة والحسن بن علي حكاه عنهم ابن المنذر، ويجب على الولي إخراجها، والذي يدل على وجوبها في أموالهم عموم أدلة إيجابها من الكتاب والسنة، ولمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وبين له ما يقول لهم كان مما قال له: (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) رواه الجماعة، ولفظة: (الأغنياء) تشمل: الصغير والمجنون، كما شملهما لفظ الفقراء، وروى الشافعي في مسنده عن يوسف بن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابتغوا في أموال اليتامى لا تذهبها أولا تستهلكها الصدقة) وهو مرسل. وروى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة، وقد قال ذلك عمر للناس وأمرهم، وهذا يدل على أنه كان من الحكم المعمول به والمتفق على إجازته. وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة " انتهى.

فتاوى اللجنة الدائمة (٩/٤١٠) .

وقد اختار أيضاً القول بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما في الشرح الممتع (٦/١٤) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>