للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يحتج بالقدر عند المعصية ويقول: " الله غالب "

[السُّؤَالُ]

ـ[في بلدنا كثيرا ما نقول كلمة "الله غالب"، وقد يكون ذلك في سياق الاحتجاج على عدم فعل أمر ما، فمثلا تقول لشخص لماذا لم تفعل كذا وكذا؟ فيجيب الله غالب، تقول لماذا لم توف بعهدك؟ فيجيب الله غالب، فما حكم هذه الكلمة؟ خاصة في ذلك السياق؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

يقول الله عز وجل: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف / ٢١

قال ابن كثير:

" أي إذا أراد شيئا فلا يُرَد ولا يمانع ولا يخالف، بل هو الغالب لما سواه.

قال سعيد بن جبير: أي: فعال لما يشاء " انتهى.

"تفسير ابن كثير" (٤ / ٣٧٨) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله:

" أي: أمره تعالى نافذ، لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فلذلك يجري منهم، ويصدر ما يصدر، في مغالبة أحكام الله القدرية، وهم أعجز وأضعف من ذلك " انتهى.

"تفسير السعدي" (ص ٣٩٥) .

وهذا كقوله تعالى: (وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ) الأنعام/ ١٨، ونحو ذلك.

فقول القائل: " الله غالب " متى قصد به وصف الله بالغلبة والقدرة، والعزة والقهر، فقد وصف الله بما هو أهله.

أما إن قصد به الاحتجاج لنفسه عند التقصير أو العصيان فهو من الاحتجاج بالقدر، والقدر إنما يحتج به على المصائب لا المعائب.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

" الْقَدَرَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (١ /١٥٥) .

وقال أيضا:

" وَلَمَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلًا فِي فِطَرِ الْخَلْقِ وَعُقُولِهِمْ: لَمْ تَذْهَبْ إلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ، وَلَا هُوَ مَذْهَبُ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَطْرُدُونَ قَوْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ أَحَدٍ لَا فِي دُنْيَاهُ وَلَا آخِرَتِهِ " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (١ / ١٦٧) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله:

" كل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه.

وأما شرعا، فإن الله تعالى أبطل الاحتجاج به، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله " انتهى.

"تفسير السعدي" (١ / ٧٦٣) .

وقد روى مسلم (٢٦٦٤) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) .

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

" فأمره إذا أصابته المصائب أن ينظر إلى القدر ولا يتحسر على الماضي، بل يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالنظر إلى القدر عند المصائب والاستغفار عند المعائب " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٨/ ٧٧) .

وقال أيضا:

" فإن الإنسان ليس مأمورا أن ينظر إلى القدر عند ما يؤمر به من الأفعال، ولكن عند ما يجرى عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها، فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم اصبر عليه، وارض وسلم " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٨/ ١٧٨) .

ويقال لهذا القائل: كما أن الله " غالب على أمره "، فالله تعالى حكم قسط، له الخلق والأمر، وقد أمرنا بالطاعة، ونهانا عن المعصية؛ فالنظر إلى قدره، والاحتجاج به لإبطال شرعه، إنما هو من فعل المشركين، كما حكى الله تعالى عنهم ذلك، فقال الله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الأعراف/٢٨-٢٩.

وينظر: إجابة السؤال رقم: (٢٠٨٠٦) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>