للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يكتب أجر الصدقة بمجرد وضعها في الصندوق أم بوصولها للمستحق؟

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي صندوق صدقة في منزلي، وأتصدق فيه كل يوم تقريباً - ولله الحمد -، وعندما أضع فيه الصدقة أدعو ربي بما أريد، ثم أضعها؛ فهل تُحسب لي في الوقت الذي أتصدق فيه، أم عندما أُخرج الصندوق بأكمله للفقراء - علماً بأنني أستعين بالصدقة على تيسير أموري كلها -؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله أن يتقبل منك صدقاتك، وأن يجزيك أعظم الجزاء، وقد أحسنتَ صنعاً إذ فعلتَ هذا، ولعلك أن يكون لك مثل أجور من فعل مثل فعلك.

وبذل الصدقات من أعظم ما يتقرب به العبد لربه عز وجل، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (٣٦٧٨٣) طائفة من النصوص في بيان فضل التصدق، والصدقة لغة: مأخوذة من الصِّدق؛ إذ هي دليل على صِدق مخرجها في إيمانه.

انظر: " فتح القدير " (٢ / ٣٩٩) .

وننبه هنا إلى أمرين مهمين:

١. أن من الصدقات ما هو واجب، وليست كلها نفلاً.

٢. أن الصدقة ليست بالمال وحده، بل " كل معروف صدقة " – كما رواه البخاري (٥٦٧٥) -، فالتسبيحة صدقة، والتهليلة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة.

ويجمع هذين الأمرين هذين الحديثين:

أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ: كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) .

رواه البخاري (٢٨٢٧) ومسلم (١٠٠٩) .

ب. عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) .

رواه مسلم (٧٢٠) .

(سُلامى) : عظام البدن ومفاصله.

ثانياً:

الصندوق الذي توضع فيه الصدقات في المنزل له حالان:

الحال الأولى: أن يكون في مكانٍ بارز، تضع فيه صدقاتك، ويضع فيه غيرك من ضيوفك، وأقربائك.

والحال الثانية: أن يكون الصندوق مختصاً بك، تضع فيه وحدك المال.

وفي الحال الأولى: يكون لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق، ويكون المال قد خرج من ملكك، ولا يحل لك الرجوع في صدقتك، والمال الذي يضعه الآخرون تكون مؤتمناً عليه، إلى حين صرفه في جهاته الشرعية.

وفي الحال الثانية: لا يظهر أنه يُكتب لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق، بل إذا قبضه من دُفع المال له من المستحقين: كُتب لك أجر الصدقة، وليس لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال فيه؛ لأنه لم يخرج عن ملكك، ولك أن تفتح الصندوق، وتأخذ ذلك المال إن احتجت إليه، وإن كان المستحب لك أن لا ترجع في ذلك المال.

قال ابن قدامة – رحمه الله - بعد أن نسب ذلك لأكثر الفقهاء -:

ولنا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما، ولم يُعرف لهما في الصحابة مخالف، فروى عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه نحَلها - أي: أهداها - جذاذ – أي: حصاد - عشرين وِسقا من ماله بـ " العالية "، فلما مرض قال: يا بنية! ما أحد أحب إليَّ غنىً بعدي منك، ولا أحد أعز عليَّ فقراً منك، وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال الوارث: أخواك وأختك، فاقتسموا على كتاب الله عز وجل.

وروى ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ: أن عمر بن الخطاب قال: ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال: مالي، وفي يدي! وإذا مات هو قال: كنت نحلته ولدي؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد، فإن مات ورثه، قال المروذي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة.

" المغني " (٦ / ٢٧٣) .

وقال النووي – رحمه الله -:

مَن دفع إلى وكليه، أو ولده، أو غلامه، أو غيرهم شيئاً يعطيه لسائل، أو غيره صدقةَ تطوع: لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك المعين: استُحب له أن لا يعود فيه، بل يتصدق به على غيره، فإن استرده وتصرف فيه: جاز؛ لأنه باق على ملكه.

" المجموع " (٦ / ٢٤١) .

وروي عن الإمام أحمد رحمه الله أن المال في مثل هذه الحال يخرج من ملكه، ولا يسعه الرجوع فيه، والظاهر أن ذلك محمول على الاستحباب لا الوجوب.

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:

وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا الْمَالِكُ – يعني: الصدقة - مِنْ مَالِهِ، وَأَفْرَدَهَا: فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ صَدَقَةً، وََا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ قَبُولِهِ.

وَنُقِلَ عَنْهُ – يعني: عن الإمام أحمد - مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ جَعَلَهُ الرَّجُلُ لِلَّهِ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَمْضَاهُ.

" القواعد الفقهية " (ص ٨٦) .

ثالثاً:

أما حكم الدعاء قبل التصدق فقد سبق بيان في جواب السؤال رقم (٩٨٥٧٩)

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>