للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل ثمة زكاة على من قطع حبَّ الذرة قبل اشتداده علفاً لدوابه؟

[السُّؤَالُ]

ـ[فلاح زرع هكتارات من الذرة، وبعد ما مضى على زراعتها ٣ أشهر ـ تقريبا ـ: قام بطحنها خضراء الحب والورق، وجمع ما فيها؛ ليعطيها علفاً للبقر. السؤال هو: هل عليه من زكاة؟ علماً أنه كان يسقيها بماء البئر.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

سبق في جواب السؤال رقم (٩٩٨٤٣) بيان أن الزكاة تجب في الحبوب فيما يكال منه ويدَّخر، إذا بلغ الخارج من الأرض خمسة أوسق، أي: ثلاثمائة صاع، وهو ما يعادل ستمائة واثني عشر كيلو من القمح الجيد – وبعض العلماء يقدره بـ ٦٥٣ كيلو -، وفيه العُشر إن كان الزرع مسقيّاً بماء الأمطار، أو الأنهار، أو العيون الجارية، وفيه نصف العُشر إن كان مسقيّاً بما فيه تكلفة.

وعليه: فبما أن الذرة مما يكال ويدخر، ومقدار الخارج يزيد عن الثلاثمائة صاعاً – بسبب أن الأرض المزروعة واسعة -: فإن في الخارج من الذرة زكاة بمقدار نصف العشر لأنه يستخرج الماء من البئر لسقي الزرع، وهذا لا يكون إلا بتكلفة، من مكائن، ووقود، وغير ذلك.

ثانياً:

وما ذكرناه سابقاً من نصاب الزكاة في الحبوب هو الشرط الأول لوجوب الزكاة، وأما الشرط الثاني فهو: أن يكون ذلك النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة.

ووقت وجوب الزكاة في الحبوب: اشتداده، وفي الثمار: بدوّ صلاحها، وهو قول جمهور الفقهاء، خلافاً لأبي حنيفة الذي أوجب الزكاة بظهور الثمر، وخلافاً لمن قال – من الحنابلة وغيرهم – إن وقت وجوبها عند الحصاد.

ففي " الموسوعة الفقهية " (١٥ / ١٢) :

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزكاة تجب في الثمار ببدو صلاحها؛ لأنها حينئذ ثمرة كاملة. والمراد بالوجوب هنا هو: انعقاد سبب وجوب إخراج التمر والزبيب عند الصيرورة كذلك، وليس المراد بوجوب الزكاة وجوب إخراجها في الحال.

انتهى

وقال الماوردي – رحمه الله -:

فأما الزرع وقت وجوب زكاتها: فتجب زكاته إذا يبس واشتد وقوي واستحصد، وتؤدَّى زكاته بعد دياسه وتصفيته إذا صار حبّاً خالصاً.

" الحاوي الكبير " (٣ / ٢٤٣) .

وقال ابن قدامة – رحمه الله -:

ووقت وجوب الزكاة في الحب: إذا اشتد، وفي الثمرة: إذا بدا صلاحها.

وقال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده ; لقول الله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) .

وفائدة الخلاف: أنه لو تصرف في الثمرة، أو الحب، قبل الوجوب: لا شيء عليه ; لأنه تصرف فيه قبل الوجوب، فأشبه ما لو أكل السائمة، أو باعها، قبل الحول، وإن تصرف فيها بعد الوجوب: لم تسقط الزكاة عنه، كما لو فعل ذلك في السائمة، ولا يستقر الوجوب على كلا القولين حتى تصير الثمرة في الجريب والزرع في البيدر، ولو تلف قبل ذلك بغير إتلافه أو تفريط منه فيه: فلا زكاة عليه.

" المغني " (٢ / ٣٠٠) .

وعليه: فمن قطع ما يجب فيه الزكاة لاستعماله علفاً – مثلاً –: فإنه لا زكاة عليه فيما قطع؛ لأن ما قطعه ليس هو الحب أو الثمر الذي وجبت فيه الزكاة، ويُنظر فيما بقي مما اشتد من الحَبِّ، فإن بلغ نصاباً: ففيه الزكاة، وإلا فلا يجب عليه.

ولا يحل لصاحب الزرع أن يكون قصده من قطع الحب قبل اشتداده التهرب من الزكاة، وإلا فإنه يأثم، وبعض أهل العلم يوجبون عليه الزكاة في هذه الحال.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

فصار عندنا شرطان:

الأول: بلوغ النصاب.

الثاني: أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة ... .

قوله: " وإذا اشتد الحب، وبَدَا صلاح الثمر: وجبت الزكاة " سبق أنه يشترط أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة.

فوقت الوجوب: " إذ اشتد الحب " أي: قويَ الحَبُّ، وصار شديداً لا ينضغط بضغطه.

" وبَدَا صلاح الثمر " وذلك في ثمر النخيل، أن يحمرَّ، أو يصفرَّ، وفي العنب أن يتموه حلواً أي: بدلاً من أن يكون قاسياً يكون ليِّناً متموهاً، وبدلاً من أن يكون حامضاً يكون حلواً.

فإذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر: وجبت الزكاة، وقبل ذلك لا تجب ... .

ويتفرع على هذا أيضاً: أنه لو تلفت - ولو بفعله - بأن حصد الزرع قبل اشتداده، أو قطع الثمر قبل بدو صلاحه: فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ذلك قبل وجوب الزكاة، إلا أنهم قالوا: إن فعل ذلك فراراً من الزكاة: وجبت عليه؛ عقوبة له بنقيض قصده، ولأن كل من تحيَّل لإسقاط واجب: فإنه يُلزم به.

" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (٦ / ٧٥ – ٨٠) مختصراً.

والخلاصة:

ليس على ذلك المزارع إن قطع الحب قبل اشتداده زكاة، وعليه زكاة إن كان الحبُّ قد اشتد وقوي، إن كان ما خرج منه يبلغ النصاب.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>